Philosophie de la biologie : Une très courte introduction
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Genres
من السمات البارزة لنظام لينيوس هيكله الهرمي. إذ يشكل عدد من الأنواع جنسا واحدا، ويشكل عدد من الأجناس فصيلة واحدة، وهكذا. لذلك كلما تحركنا لأعلى، قل عدد الأصناف في كل رتبة تصنيفية. في قاعدة الهرم توجد حرفيا ملايين الأنواع، ولكن في قمته لا يوجد سوى عدد قليل من الممالك: الحيوانات والنباتات والفطريات والطلائعيات والعتائق والبكتيريا. ليس لكل الأنظمة التصنيفية في العلوم ذلك الترتيب الهرمي. على سبيل المثال، العناصر الكيميائية مرتبة في مجموعات وفق العمود الرأسي الذي تقع فيه في الجدول الدوري؛ لكن هذه المجموعات لا تندرج تحت مجموعات أخرى كما في نظام لينيوس. أحد الأسئلة المثيرة للاهتمام، وسنعود إليه، هو «لماذا» يجب أن يكون التصنيف البيولوجي هرميا.
خدم نظام لينيوس علماء الأحياء جيدا لسنوات، ولا تزال بعض عناصره مستخدمة حتى يومنا هذا. هذا مستغرب نوعا ما لأن الرؤية العلمية للعالم التي يستند إليها قد تغيرت كثيرا. ينتمي لينيوس إلى عصر ما قبل الداروينية وكان مسيحيا متدينا مؤمنا بقصة الخلق التوراتية. اعتبر لينيوس نظام التصنيف الذي وضعه محاولة لاكتشاف التقسيمات الموضوعية للكائنات الحية التي خلقها الرب الموجودة منذ الأزل. كان لينيوس يستغرب تماما فكرة انحدار الأنواع المعاصرة من أسلاف مشتركة.
لفهم كيف يمكن لنظام لينيوس أن يظل صامدا بعد التحول من نظرة خلق الإله للعالم إلى النظرة التطورية، تذكر أن التطور عملية بطيئة للغاية. لذلك على الرغم من أن جميع أشكال الحياة قد انحدرت من سلف مشترك، فإن هذا يتوافق مع وجود انفصالات بين الكائنات الحية الموجودة اليوم. وهي قطعا انفصالات يمكن تحديدها. فالظاهر أن الكائنات الحية تتجمع في أصناف منفصلة الكثير منها يمكن تحديده بسهولة. ففي نهاية المطاف، يختلف مظهر الهامستر موضوعيا عن الفأر أو السنجاب؛ مع أننا إذا تتبعنا أسلافهم بما يكفي، فسنصل إلى شكل من الحياة لا يسهل إدراجه تحت أي من هذه الأصناف الثلاثة. لذا فإن حقيقة التطور لا تقوض تلقائيا محاولة إيجاد طريقة موضوعية لتصنيف الكائنات الحية المعاصرة. في الواقع، لا يزال علماء الأحياء المعاصرون يعترفون بالعديد من الأنواع وبعض التصنيفات العليا التي وضعها لينيوس.
هذا وقد أدى ظهور علم الأحياء التطوري في النهاية إلى تغييرات أساسية في التصنيف البيولوجي. بالفعل من الناحية النظرية والعملية. تجلت أهمية علم التصنيف، أو «النظاميات الحيوية» كما يسمى اليوم باعتباره تخصصا مستقلا في القرن العشرين، نتيجة وجود احتياج إلى استيضاح المبادئ المستخدمة في التصنيف. الغريب أن علماء الأحياء لم يكونوا دائما متفقين على هذه المبادئ، وهو ما يرجع جزئيا إلى اختلافات فلسفية متعلقة بها. أدى ذلك إلى جدل مطول حول التصنيف البيولوجي بدأ في السبعينيات ولا يزال مستمرا حتى يومنا هذا، شارك فيه الفلاسفة بإسهامات كبيرة.
تنقسم مشكلة التصنيف البيولوجي إلى قسمين. أولا، كيف ينبغي أن تصنف الكائنات الحية تحت الأنواع؟ ثانيا، ما إن نفرغ من ذلك، كيف ينبغي تنظيم الأنواع بعد ذلك في الأصناف الأعلى؟ على الرغم من أن هذين السؤالين مترابطان إلا أن كلا منهما يثير مسائل مختلفة نوعا ما، لذا يستحقان معالجة منفصلة.
مشكلة النوع
كثيرا ما يناقش علماء الأحياء ما يسمونه «مشكلة النوع». ويقصد بها مشكلة وضع تعريف دقيق للنوع. من المستغرب إلى حد ما أنه لا يوجد اتفاق حول هذا الأمر. إذ تكثر التعريفات المتنافسة للنوع، أو «مفاهيم النوع» كما يطلق عليها. هذا الخلاف له تبعات عملية. إذ كثيرا ما يختلف علماء الأحياء حول عدد الأنواع التي تحتوي عليها أصنوفة معينة فعليا. على سبيل المثال، تأمل فصيلة البقريات وهي من الثدييات المجترة مشقوقة الظلف (والتي تشمل البيسون والظباء والأغنام والماشية). تقليديا، كان يعتقد أن فصيلة البقريات تحتوي على 143 نوعا حاليا. ولكن في عام 2011، أوصت مجموعة من الخبراء باعتماد 279 نوعا من البقريات؛ لا نتيجة لأي اكتشافات تجريبية جديدة، بل لأنهم تبنوا مفهوما مختلفا للنوع. وقد رفض خبراء آخرون هذا الاقتراح واعتبروه تضخما تصنيفيا لا مبرر له. مثل هذه الخلافات هي تبعات لعدم إيجاد حل لمشكلة النوع بعد.
غالبا ما يتفاجأ غير المتخصصين في علم الأحياء بوجود مشكلة متعلقة بالنوع. فكلمة «نوع» هي كلمة دارجة في اللغة الإنجليزية، ويشبه معناها الدارج إلى حد كبير معناها الاصطلاحي في علم الأحياء. علاوة على ذلك، يمكن لمن لم يدرس علم الأحياء إصدار أحكام صحيحة بشأن انتساب الكائنات إلى الأنواع. إذ يستطيع طفل في الثالثة من العمر أن يخبرنا أن حيوانين ما في الحديقة هما كلبان، حتى لو كانا من سلالتين مختلفتين؛ وسيؤكد عالم الأحياء أن الطفل على صواب؛ فالكلبان ينتميان بالفعل إلى نوع واحد، ألا وهو نوع الكلب المنزلي (كانيس فاميلياريس). ومن ثم من الطبيعي أن نعتقد أن انتماء كائن حي ما إلى نوع ما هو أمر واضح مسلم به. وهو الرأي الذي يقبله دون شك أغلب غير المتخصصين في علم الأحياء.
تتوافق وجهة النظر المنطقية هذه مع النسخ المختلفة من عقيدة «الأصناف الطبيعية» الفلسفية، التي شاعت منذ عصر أرسطو. تنص هذه العقيدة على أن هناك طرقا لترتيب الأشياء في أصناف طبيعية بمعنى أنها تتوافق مع التقسيمات الموجودة بالفعل في العالم، لا التي تعكس المصالح البشرية. العناصر والمركبات الكيميائية هي أصناف طبيعية نموذجية. تأمل على سبيل المثال كل الكتل المصنوعة من الذهب الخالص في الكون. هذه الكتل هي من صنف «الذهب» لأنها متشابهة من ناحية أساسية: الذرات التي تكونها لها العدد الذري 79. على النقيض من ذلك، فإن قطعة من الذهب الكاذب (بيريت الحديد) لا تنتمي إلى هذا الصنف، على الرغم من تشابهه مع الذهب في بعض النواحي، لأنه مركب يتكون من ذرات من نوع مختلف (الحديد والكبريت). وبالمثل، فقد ذهب الكثيرون إلى أن الأنواع هي بمثابة الأصناف الطبيعية لعلم الأحياء.
ولكن في الواقع، فإن الأنواع البيولوجية تختلف إلى حد ما عن الأصناف الطبيعية التي نجدها في الكيمياء والفيزياء. في صنف مثل الذهب، يمكننا أن نشير إلى خاصية واحدة - أن له العدد الذري 79 - وهي خاصية ضرورية وكافية لنسبته إلى صنف الذهب، وبالتالي تعد تلك الخاصية «جوهر» الذهب. لكن هذا غير ممكن بوجه عام في الأنواع البيولوجية. والسبب بسيط؛ ففي كل نوع، نجد تباينات كبيرة بين الكائنات الحية المكونة له. تؤدي الطفرات باستمرار إلى ظهور متغيرات جينية جديدة، ولا ينفك التكاثر الجنسي «يخلط» الجينات، مما يؤدي إلى اختلافات جينية كبيرة بين الكائنات الحية داخل النوع الواحد. علاوة على ذلك، فإن التركيب الجيني لأي نوع يتغير مع تطوره بمرور الوقت. لذلك على عكس الذهب، لا يسهل تحديد خاصية ضرورية وكافية لانتماء حيوان ما إلى نوع الكلب المنزلي على سبيل المثال.
Page inconnue