Discussions en philosophie morale
مباحث في فلسفة الأخلاق
Genres
للمراقب في عمله نظران: نظر قبل العمل، ونظر في العمل، أما قبل العمل فلينظر أن همته وحركته: أهي لله خالصة، أم لهوى النفس ومتابعة السلطان؟ فيتوقف فيه ويتثبت حتى ينكشف له ذلك بنور الحق؛ فإن كان لله تعالى أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا من الله وانكشف عنه. وأما النظر الثاني للمراقب عند الشروع في العمل، فذلك بتفقد كيفية العمل ليقضي حق الله فيه، ويحسن النية في إتمامه، ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه.
ثم تكلم بعد ذلك في بيان محاسبة النفس بعد العمل، فقال:
ينبغي أن يكون للمرء آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم؛ حرصا منهم على الدنيا.
وأخيرا أشار في هذا الباب في مواضع كثيرة إلى قوة جعلها مرة «نورا إلهيا»، وأخرى «معرفة»، مقررا أنها تهدي المرء وتقوده في أعماله.
كما رأينا مسكويه، حين تكلم عن النفس وقواها الثلاث، في كتابه «تهذيب الأخلاق»، ذكر أن منها القوة الباطنة أو العاقلة، ووصفها بأنها قبس من النور قذف به الخالق إلى النفس البشرية ليكون لها هاديا ومرشدا، وصرح بأن أصل هذه القوة هو الميل للخير والنفور من الشر.
ونحن إذا رجع الواحد منا لنفسه عند إتيان عمل من الأعمال وجد أن في قرارتها قوة تأمره بالخير وتشجعه عليه، وتحذره من الشر وتثبطه عنه، وأنه إذا عمل بوحيها أحس ارتياحا وطمأنينة وغبطة؛ لأنه عرف لنفسه كرامتها، وإن عصاها أحس بألم وتأنيب ينال منه أشد منال، وبندم يدعوه للتوبة والإنابة.
مثلا: ها أنا ذا الآن متردد بين قضاء هذه الأمسية في الترويح عن نفسي والتسرية عنها ببعض الملهيات البريئة بعد ما بذلته من المجهود الشاق في الصباح، وبين إتمام المقال الذي تنتظره مجلة الأزهر، وبين الذهاب لأداء خدمة لآخر هو جد محتاج إليها؛ العاطفة تشير بالاستجمام وقضاء هذه الأمسية في هذا الملهى أو ذاك، ولا علي إن انتظرت المجلة عبثا ولهذا البائس المحتاج لمساعدتي رب قد يرسل له من يقوم بخدمته على الوجه الذي يريد.
لكني، وقد هممت بتلبية نداء العاطفة، أسمع في أعماق النفس صوتا قويا يثبطني عن إضاعة الوقت باللهو الفارغ، ويذكرني بواجب إسعاف هذا الجار المسكين الذي أنا أقدر على خدمته من غيري، حتى إذا أطعته أحسست بطمأنينة في القلب، وبارتياح في النفس، وبغبطة داخلية تعوض على ما فاتني من الاستمتاع بالرواية التي كنت أشتهي مشاهدتها في إحدى دور السينما أو التمثيل. (4-2) تعريف الضمير
هذه القوة التي أمر الرسول السائل عن البر باستفتائها وسماها القلب، والتي تميز الخير من الشر، وتأمر بالأول وتثيب عليه بالارتياح والطمأنينة، وتنهى عن الثاني وتعاقب بالتأنيب والندم، والتي دعاها الغزالي مرة نورا إلهيا وتارة معرفة، ووصفها مسكويه بأنها قبس من النور الإلهي؛ هذه القوة هي ما يسمى في عرف الأخلاقيين المحدثين ب «الضمير».
ويرى بعض من كتب في الأخلاق أن الضمير مرادف للوجدان، وأنهما ترجمة كلمة
Page inconnue