Discussions en philosophie morale
مباحث في فلسفة الأخلاق
Genres
هذا سعد باشا زغلول وصحبه حين دعوا الأمة للثورة على الإنجليز عام 1919 كانوا يعرفون من نتائجها المحتومة ما كان من قتل ونفي وتشريد ، وكانوا يقصدون هذا طبعا، غير أنه لم يكن غايتهم من دعوتهم للثورة، بل كانت الغاية الحصول على استقلال مصر وتحريرها. ومثال آخر: نحن نطعم أولادنا ضد كثير من الأمراض، ونعرف بل ونقصد ما يكون وراء ذلك من ألم وورم في الأذرع، ولكن لا نجعل ذلك غايتنا، بل هي إكسابهم المناعة ضد الأمراض التي لقحناهم بالمصل المضاد لها.
وإذن، من الحق أن نقرر أن ليس كل مقصد باعثا دائما. على أن هناك من الأحوال ما يكون فيها المقصد هو الباعث، فإنا لو رجعنا إلى ما ذكرناه في الكلام عن تقسيم المقصد، لتبين لنا أن الباعث يشمل الجانب الكبير من المقصد البعيد دون القريب، وأنه يشمل المقصد الأصلي دون التبعي، وأنه في الغالب يشمل المعنوي لا المادي، كما أنه قد يكون داخليا كما يكون خارجيا، ومن أجل ذلك تكون النسبة بين الباعث والمقصد العموم والخصوص المطلق، يجتمعان في حالة، وينفرد الأعم. (3-3) ما يكون باعثا
وإذا كان الباعث الغائي هو محل عناية دارس علم الأخلاق، فقد اختلف علماء الأخلاق فيما يكون باعثا، أو بتعبير آخر: في الغاية التي تسيطر على جميع الغايات وتبعث الإنسان للعمل؛ أهي اللذة كما قال بذلك قوم، أو المشاعر الوجدانية لذة أو غيرها كما قال به آخرون، أو العقل وحده كما نادى به سقراط؟ وكان من هذا الخلاف مذاهب مختلفة:
الأول: «الباعث هو اللذة»، أي أننا لا نعمل عملا إلا لنيل لذة أو للتخلص من ألم، فالحصول على اللذة والفرار من الألم هو الغاية القصوى التي تقودنا إلى ما نأتي ونذر من أعمال.
ومن أشهر القائلين بذلك من المحدثين اثنان: أحدهما بنتام
Bentham
1
الفيلسوف الإنجليزي الذي يرى أنه قد وضعت الفطرة الإنسانية تحت حكم اللذة والألم، فنحن مدينون لهما بأفكارنا، وإليهما ترجع جميع أحكامنا وجميع مقاصدنا في الحياة، ومن يدعي أنه أخرج نفسه من حكمها لا يدري ما يقول، فإن غرضه الوحيد طلب اللذة والهرب من الألم في اللحظة التي يرفض فيها أعظم اللذائذ ويقبل أشد الآلام، وهذه المشاعر الأبدية التي لا تقاوم ينبغي أن تكون الموضوع المهم لدراسة الأخلاقي والمقنن، ومبدأ المنفعة يخضع كل شيء لهذين الباعثين.
والآخر هو ستيوارت مل
Stuart Mill
Page inconnue