Discussions en philosophie morale
مباحث في فلسفة الأخلاق
Genres
المقصد في اللغة: المطلوب، قصدت الشيء وله وإليه قصدا من باب ضرب: طلبته بعينه، وإليه قصدي ومقصدي. وفي «القاموس»: القصد: استقامة الطريق والأم، فالقصد «مجرد اتجاه النفس نحو أمر من الأمور»، أما المقصد فهو «كل ما تتجه إرادة الإنسان لتحصيله»، وهو ما نعنى بالكلام عنه الآن؛ لأنه متعلق الحكم الخلقي، فيوصف آنا بالحسن وآنا بالقبح.
بهذا التعريف يشمل المقصد نتائج أعمالنا وإن كان بعضها غير مرغوب فيه، أو غير متيقن الوقوع، فقائد الغواصة مثلا إذا أمر بإطلاق قذائفها على باخرة للأعداء فدمرتها وأغرقت ربانها وبحارتها، يكون مسئولا أخلاقيا عن هذا العمل، وليس له أن يتعلل بأنه لم يكن يرغب هلاك البحارة بل كان باعثه إضعاف العدو، فحسبه أن ذلك كان له مقصدا اتجهت إليه إرادته .
لكن هذا التعريف لا يتناول الظواهر الكونية التي تقع وفق القوانين الطبيعية، ولا دخل لإرادة الإنسان ولا لقصده فيها، فاتصال النار بدار فلان وإحراقها ليس من متعلق الأحكام الخلقية، فهو وإن صح وصفه بالضر بالنسبة لنتيجته، لا يصح وصفه بالقبح لأن إرادة المرء لم تتجه إليه. أما لو تعمد شخص وضع النار في هذه الدار، فإنه يكون مسئولا أخلاقيا، ويوصف عمله بالشرية؛ لأن إرادته تداخلت فكان الإحراق مقصودا. (2-2) أقسامه
من الأمثلة التي سنذكرها نعلم أن المقصد ينقسم إلى أقسام متعددة، تبعا لاعتبارات مختلفة:
أولا: «يكون خارجيا وداخليا»، فإن العمل الذي يأتيه المرء قد تكون له نتيجة خارجية لا يلقي لها بالا، وأخرى وجدانية داخلية هي التي فعل الفعل لأجلها، وذلك كالذي أنقذ الحجاج مرة من الغرق، فلما ليم في إنجائه وعدم تركه للموت فيستريح الناس من شره، قال: أردت أن أحول بينه وبين الموت شهيدا! فإنجاؤه مقصد خارجي ظاهري، والحيلولة بينه وبين ميتة الشهداء، وهو ما يرضي نفس المنقذ ووجدانه، مقصد داخلي وجداني. ومثل ذلك أيضا الرجل يتصدق على فقير يعذبه الجوع بما يدفع عنه غائلته، يقصد من ذلك أن يبعد عن نفسه الألم برؤيته بائسا مسكينا يعضه الجوع بنابه، فهذا مقصد داخلي وجداني، وبجانبه آخر خارجي، هو شبع الفقير ورد عادية الجوع عنه.
ثانيا: «يكون قريبا وبعيدا»، كما لو شوهد مجرم أثيم يطلق النار على رجل بريء من اثنين أحدهما قريب المجرم والآخر ولي المقتول، وحين استجوابهما من رجال القضاء أنكرا أن يكونا شاهدا القاتل أو عرفاه. فكل منهما قصد تخليصه من المحاكمة، وهذا مقصد قريب تحققا، إلا أن لولي المقتول مقصدا آخر بعيدا هو تمكنه من أخذ ثأره بنفسه منه، ففي ذلك وحده في رأيه إرواء عاطفة الانتقام. ونحو هذا لو رأينا قاتلا يساق لساحة الإعدام جزاء بما قدمت يداه، ويتبعه والد المقتول ينتظر الساعة التي يبرد فيها من لوعته برؤية القاتل بين يدي الجلاد، فيعترض المجرم خطر يهدد حياته فيسرع كثير لإنقاذه ومنهم الوالد الثاكل، كل من هؤلاء قصد إنقاذه، وهذا مقصد قريب تحققه، ولكن لهذا الوالد المحزون مقصد آخر بعيد، وهو سلامته من هذا الخطر المفاجئ ليموت مشنوقا، وفي ذلك سرور الوالد المسكين.
وقد يقال: إنه بمقارنة هذا النوع بسابقه يكون المقصد البعيد هو الداخلي دائما. وهذا غير صحيح؛ لأنه إن كان الأمر كذلك في هذه الأمثلة فقد لا يكون دائما، كرجل أخذ نفسه بضروب العبادة لتهذيب نفسه وليفوز برضوان الله وجنته، فتهذيب النفس مقصد داخلي وجداني، وهو هنا القريب تحققا ووجودا، والثواب الأخروي هو المقصد الخارجي وإن كان بعيدا في وجوده.
ثالثا: «يكون أصليا وتبعيا»، وذلك كما أراد رجل فوضوي قتل حاكم فاعتزم نسف ندي علم أنه سيحضر فيه، وهو يعلم أن القنبلة ستميت كثيرا من الأبرياء، ولكنه يقصد هذا كما يقصد قتل الحاكم أيضا، إلا أن قتل الحاكم مقصود أصالة وقتل أولئك مقصود تبعا. ونستطيع أن نمثل لذلك أيضا باجتهاد أحزاب المعارضة في التنقيب عن سقطات الوزارة التي تكون قائمة بالحكم، والكشف عن مساوئها، تقصد من ذلك تقويم المعوج منها، إلا أن هذا مقصد تبعي لها، والمقصد الأصلي هو الفوز بالحكم بعد تأليب الناس عليها وإسقاطها.
ومن هذا نعرف المقصد الأصلي بما اتجهت إليه الإرادة أولا، والتبعي بما جاء تبعا له، وقد يسمى المقصد الأصلي مقصدا مباشرا، والتبعي مقصدا غير مباشر.
رابعا: «يكون شعوريا وغير شعوري»، فالشعوري ما يقصده المرء وهو متنبه له أكمل التنبه شاعر به تمام الشعور، والآخر ما يندفع إلى تحقيقه على غير شعور به ولا تنبه له، كهؤلاء العلماء الذين يقفون حياتهم وجهودهم في الاكتشافات العلمية الطبية التي تنجي العالم من كثير من الأدواء وتزيد في سعادته، فلو أنك سألت أحدهم عن غايته من أعماله ومقصده منها، لما أجابك إلا بأنه يقصد خير الإنسانية، مع أن له بجانب هذا مقصدا آخر هو ذيوع شهرته وخلود اسمه، إلا أن المقصد الأول متنبه إليه شاعر به، والثاني منساق إليه بغير تنبه ولا شعور، بمعنى أن الشهرة وذيوع الاسم وخلوده وإن كانت أمورا مقصودة لكنه لا يشعر بأنها مقاصد ولا يتنبه لها؛ لأن مقرها العقل الباطن، فهو يسعى إليها ويحققها بدون شعور منه.
Page inconnue