Piliers de la philosophie politique
ركائز في فلسفة السياسة
Genres
علينا أن نتقبل كل هذا على الرغم من أن لغتهم الإنجليزية تحوي كلمة سباب ليس لها مقابل في اللغة العربية، وهي
quisling
التي تعني على وجه التحديد القاموسي الدقيق: خائنا يبيع وطنه بأن يتعاون مع الاحتلال ويقبل الاشتراك في حكومة تشكلها قوات الاحتلال؛ وبالتالي فإن مجلس الحكم العراقي الذي نصبته أمريكا في أعقاب الغزو والاحتلال ليضم شراذم بعضهم شخصيات تافهة، وآخرين دخلاء لم يروا العراق إلا في أبريل 2003م، وعلى رأسهم فتى أمريكا المدلل أحمد الجلبي بصحيفة سوابقه الزاخرة وسطوه الشهير على بنك البتراء في الأردن وأحكام السجن الصادرة ضده؛ جميعهم «كويزلنج»، بل إن متابعة أخبارهم ولقاءاتهم تجعلنا نحن أيضا «كويزلنج».
لا غرو، ما دام العالم الغربي المتقدم لم يترك مفردة في قاموس الجرائم إلا وارتكبها من أجل تحرير العراق من الديكتاتورية وإسباغ الديمقراطية والتعددية والعلمانية عليها، كل الجرائم، بدءا من أفظع الجرائم وأكثرها هولا التي ترتكب في حقوق إنسان جوانتانامو والمعتقلات العراقية - بعد السجون الإسرائيلية - ومرورا بالكذب والغش والتضليل والتزييف والتزوير (مستندات شراء العراق اليورانيوم من النيجر) والرشوة والخروج على القانون الدولي والنصب على الدولة (الأسعار التي وردت بها شركة تشيني البترول إلى القوات الأمريكية في العراق) والتجسس على الأمم المتحدة وقتل آلاف البشر وتدمير حياتهم وبلدهم وتبديد تراث إنساني لا يعوض وانتهاء بالجريمة الأم وهي السطو المسلح على دولة ثرية.
وحتى هذه اللحظة ما زال الجميع يضربون أخماسا في أسباع، ومع كل الشفافية التي تكفلها الديمقراطية، لا يعرف شخص واحد في أمريكا لماذا اتخذ بوش قرار الحرب على العراق، ولا يملك بوش نفسه إجابة محددة على هذا السؤال! ولا يهم أن يملك ما دام يستعد بمنتهى الديمقراطية لخوض الانتخابات من أجل فترة رئاسية أخرى، وما دام بلير متربعا على عرشه الذي علم البشرية معنى الديمقراطية ولا يزال.
وفي كل هذا ينبغي أن نصادر على المطلوب وهو أن الغرب يعني التقدم، أي الديمقراطية والتعددية والعلمانية والمعرفة والحرية وحقوق المرأة ... ولا بد من الذوبان في هذا التقدم لو أردنا البقاء. وإذا بحثنا أمر الإسلام، فالموقف التنويري التقدمي يفرض المصادرة على المطلوب، أي العمل على إثبات أن هذه المنطلقات التقدمية كائنة بصورة أو بأخرى في الإسلام، لتسهل سبل الذوبان في أطر التقدم، ويتحقق المنشود، وأي شيء غير هذه المصادرة على المطلوب هو معاداة للتقدم والتنوير وللتسامح والسلام وحوار الحضارات، ومعاداة للسامية أيضا.
لكننا اخترنا طريقا آخر غير المصادرة على المطلوب، طريقا قد يبدو استفزازيا، أولا لن خوض في أمر تلك المنطلقات؛ لأن المناهج الفلسفية تجعل أمرها يطول، خصوصا أن الفلسفة تعلمنا أنه لا تسليم قبليا بأية مقولة، مثلما تعلمنا أن مناهج المصادرة على المطلوب تفضي إلى تحصيل حاصل ولا ينجم عنها مكسب معرفي. سوف نبحث أمر الإسلام والغرب كما يطرح نفسه كتقابل بين كيانين حضاريين، لنسأل لماذا كان هذا التقابل إشكالية ملحة، ونسأل في هذا سياق التطور الحضاري. •••
هكذا قد يبدو أن إشكالية الإسلام والغرب، قبل أن تكون إشكالية التقدم والتخلف، هي إشكالية الأنا والآخر، أو منظومة التقابل بين الشرق والغرب، أو بين الحضارة العربية والإسلامية وبين الحضارة الأوروبية والأمريكية، وأن الطرف الثاني في موقع القوة واختار تحجيم الطرف الأول. وتلح الإشكالية وتغدو أزمة بل كارثة ساحقة ماحقة بعد أن تماهت الفوارق بين التبعية والاستقلال الحضاري، وترسم بديلا موقفا هامشيا هو التنازلات تلو التنازلات التي أصبحت تلامس حدود ثوابت الهوية، ووضع القومية موضع الاستفهام والعروبة موضع التشكيك والإسلام رديفا للرجعية، وبعد طول النضال والكفاح صارت التبعية تجلب وأحيانا تشترى!
مبادرة الشرق الأوسط الكبير حلقة أخرى ولعلها ليست الأخيرة في سلسلة طويلة، فقبلها كانت العولمة كما أشرنا، العولمة سبقها «النظام العالمي الجديد» الذي ظهر في مطالع تسعينيات القرن العشرين في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج الثانية. وفي إطار النظام العالمي الجديد ظهرت «الحرب الثقافية» ضد الثقافات المغايرة على العموم والثقافة الإسلامية على الخصوص بهدف تحجيمها والحيلولة دون وصولها إلى وضع ينازع الثقافة الغربية. والجلبة المحيطة الآن بالشرق الأوسط الكبير، أحاطت آنذاك بمقال و. س. لنيد «الدفاع عن الحضارة الغربية» بمجلة السياسة الخارجية الأمريكية، عدد 84، 1991م، ومقال صمويل هتنجتون الشهير جدا «الصدام بين الحضارات» بمجلة الشئون الخارجية، 1993م، حيث ناقش هتنجتون نظرية صراع الحضارات، واعتمد مفهوم «الحرب الثقافية». وخلاصة هذا المفهوم أنه بعد انتهاء الحرب الباردة بين الرأسمالية والشيوعية السوفيتية، ستكون الخطوط الفاصلة بين الحضارات هي خطوط القتال في المستقبل، بين الغرب وبين الحضارات غير الغربية الست، وأولها حضارة الإسلام. ويخلص هتنجتون إلى دعوة الغرب إلى الاتحاد كي يتصدى لهذا الخطر الزاحف من الشرق الإسلامي إلى الغرب والشمال. كما هو معلوم في إطار الحرب الثقافية المعلنة وغير المعلنة، ألح مفهوم «حوار الحضارات» وصار آنذاك شغلنا الشاغل وهمنا المقيم.
لماذا نغوص في هذه الجزئيات الراهنة، ولا نرسل النظر أبعد قليلا؟! ليس إلى الحروب الصليبية التي هدفت إلى تحرير القدس من المسلمين (ونعجب لماذا لا يحررونها الآن من اليهود، واليهود هم الذين صلبوا المسيح وليس المسلمون!) ولا إلى الحلم الذي اشتد في أعقاب فشل الحروب الصليبية خصوصا في القرن الثالث عشر حلم القضاء على الإسلام والذي أسرف في التعبير عنه روجرز بيكون جد فرنسيس بيكون نبي العلم الحديث. نرسل النظر إلى الحقبة الحديثة من الحضارة العربية، التي جرى الاتفاق على أنها بدأت بالحملة الفرنسية. هكذا كانت فاتحة علاقتنا بالحداثة الغربية هي تلك الحملة الاستعمارية التي فشلت لكن نجح بعدها المشروع الاستعماري الغربي نجاحا طبق الخافقين، ليخلق مشكلة المشاكل وهي الحداثة أو المعاصرة في العالم العربي والإسلامي، والتي تتلخص في أن الغرب جعل نفسه بالنسبة للعالم الإسلامي النار والنور؛ نار من حيث هو معتد محتل مستعمر مسيطر مستغل مستنزف للموارد عنصري صهيوني، ونور من حيث استملاكه للعلم ولحصائل الحداثة، ويزيد الطين بلة أن الثانية علة للأولى.
Page inconnue