La philosophie continentale : une très courte introduction
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
في مزاج ثقافي عام من التعب واللامبالاة والإرهاق والعناء الذي لخص في عبارة نيتشه الشهيرة: «المجتمع الحديث ... لم تعد لديه القوة «لطرح فضلاته»»؛ بمعنى أنه إذا كان هناك خواء في قلب معتقداتي الميتافيزيقية، فربما من الأفضل أن أهز كتفي بلا مبالاة وأتمتم فحسب قائلا: «أوه، حسنا، أعتقد أن هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور.» ربما نرى هذا على أنه «عدمية نظرية»، والتي يعبر عنها كلاسيكيا في شخصية إيور في كارتون «ويني ذا بو».
لكن، جديا، النقطة الأساسية التي ينبغي فهمها هنا هي أن العدمية ليست مجرد نفي التأويل المسيحي الأخلاقي للعالم، ولكن «نتيجة» له. فبالنسبة إلى نيتشه، تتحقق العدمية كحالة نفسية عندما ندرك أن المقولات التي حاولنا من خلالها منح معنى للكون لا معنى لها. وهذا لا يعني على الإطلاق أن الكون لا معنى له، ولكن يعني بدلا من ذلك - في إشارة لفلسفة كانط، وتذكير باهت برؤية جاكوبي - أن «الإيمان بمقولات العقل هو سبب العدمية»؛ ومن ثم، من وجهة نظر نيتشه، العدمية هي النتيجة غير المتوقعة لنقد كانط للميتافيزيقا؛ وهذا يعني أن العدمية هي نتيجة التقييم الأخلاقي؛ فقيمي لم يعد لها مكان في العالم، وهذا هو الاغتراب الذاتي للرواقية الحديثة التي سماها هيجل ساخرا «وجهة النظر الأخلاقية للعالم».
والآن، «يمكن» لمثل هذا الموقف أن يؤدي إلى استسلام العدمية السلبية أو الأوهام الحماسية للعدمية الفاعلة، ولكنه يمكن أن يؤدي أيضا إلى المطالبة بإعادة تقييم القيم؛ المطالبة التحويلية التحررية بأن تكون الأمور مختلفة. في أعمال نيتشه، ومن منظور مجموعة كبيرة من مفكري التقليد القاري في القرن العشرين، يرافق تشخيص العدمية المطالبة بالتغلب على العدمية. وتعرف أعمال نيتشه بمناهضتها للعدمية؛ وهذا هو السبب في أن نيتشه يصر مرارا وتكرارا على أهمية وجود مقولات جديدة وقيم جديدة، من شأنها أن تسمح لنا بتحمل عالم الصيرورة هذا دون الوقوع في اليأس أو اختراع إله جديد والخضوع له.
وفق رؤيتي، هذه هي وظيفة فكرة «العود الأبدي» الغامضة ظاهريا في أعمال نيتشه؛ أي «الوجود كما هو، دون معنى أو هدف، مع ذلك يتكرر بنحو لا مناص منه دون الانتهاء إلى العدم». يؤكد نيتشه أن ما يجري من محاولات مع مفهوم العود الأبدي هو النقيض التام لوحدة الوجود؛ بمعنى أنه إذا كانت وحدة الوجود هي حضور الإله في كل شيء، فإن العود الأبدي محاولة للتفكير في الكون دون وجود إله؛ فالإلحاد بالنسبة إلى نيتشه ليس مجرد بيان للحالة، بل هو أيضا نتيجة لجهد كبير لتحرير البشر من الأصنام التي اعتادوا على التذلل لها.
على الرغم من أن هناك آخرين سيختلفون معي، فإني أرى مفهوم العود الأبدي لنيتشه باعتباره تجربة فكرية تعد نوعا من المغالاة في الفكر الكانطي؛ بمعنى أن الأخلاق عند كانط تستند إلى مفهوم الواجب النقي السامي الذي لا يمكن أن يقوم على أي مصلحة تجريبية، ولا يمكن النظر إليه باعتباره وسيلة لتحقيق غاية، مثل السعادة. فلا توجد غاية من وراء ممارسة الفضيلة سوى الفضيلة نفسها. ومع ذلك، الأخلاق لدى كانط لا تزال تحتفظ بالإله وخلود الروح كمسلمات للعقل العملي الخالص؛ لذلك، لا تزال التصرفات الأخلاقية للمرء إلى حد ما مرتبطة بأمل تحقيق السعادة البعيد حيث يثاب المرء على الفضيلة. ويجعل نيتشه هذه الفكرة الكانطية الأساسية كانطية أكثر من كانط نفسه؛ فبالنسبة إليه، لا يوجد إله، وفكرة خلود الروح ليست سوى مزحة سيئة. ومع ذلك، ما يطلبه نيتشه منا بفكرة العود الأبدي هو أن نتصور وجودنا في كون بلا معنى لاهوتي أو ضمان ميتافيزيقي يعيد نفسه على نحو لا نهائي متكرر إلى الأبد. والآن، إذا كنا نستطيع أن نعرف ونواصل «تأكيد» مثل هذه الصورة، فإننا قد نكون قادرين تماما على القول إننا في النهاية قد تغلبنا على العدمية المتضمنة في التأويل المسيحي الأخلاقي للعالم. (3) جدلية التنوير
وتلخيصا لما سبق، فإن الحالة التاريخية والاجتماعية التي تكون العدمية هي تشخيصها، تكمن في الاعتراف بفشل مزدوج، وذلك كما يلي: (1)
لا ترتبط قيم الحداثة أو التنوير بنسيج العلاقات الأخلاقية والاجتماعية؛ أي بأمور الحياة اليومية. وهذا يعني أنها غير قادرة على إنتاج كل تخيلي أو عقلاني جديد، ما رأى واضعو «البرنامج النسقي» (انظر الملحق في نهاية الكتاب) أنه الحاجة إلى «ميثولوجيا العقل». بعبارة أخرى، يتركنا كانط مع سلسلة من الثنائيات غير الموحدة. وتفتقر القيم الأخلاقية للتنوير إلى أية فعالية (وهذا هو جوهر نقد هامان وهيجل لكانط الذي ورثه ماركس الشاب؛ حيث تصبح قيم التنوير قيما برجوازية)؛ أي تفتقد أي اتصال بالممارسة الاجتماعية. (2)
ومع ذلك، لم تفشل القيم الأخلاقية للتنوير في الارتباط بنسيج العلاقات الأخلاقية والاجتماعية فحسب، ولكن الأسوأ أيضا أنها أدت بدلا من ذلك إلى التدهور التدريجي لهذه العلاقات من خلال العمليات التي يمكن أن نسميها بتعبير ماكس فيبر: العقلانية؛ وبتعبير ماركس: الرأسمالية؛ وبتعبير أدورنو وهوركهايمر: العقلانية الأداتية؛ وبتعبير هايدجر: نسيان الكينونة. وهذه هي جدلية التنوير المحتومة والمتناقضة؛ أرى أن هذه هي إحدى الرؤى الأساسية لجاكوبي، وقد رأيناها تتكشف أمامنا من خلال القصة التي أرويها.
ولعرض الأمر على نحو أوسع نطاقا، فإن مشكلة الحداثة الفلسفية - كما عرضت حتى الآن - هي كيفية مواجهة مشكلة العدمية بعد أن رأى المرء كيف لم تفشل قيم التنوير في السيطرة على الحياة اليومية فحسب، ولكن أدت أيضا إلى تحللها التدريجي. وفي رأيي، هذه هي المشكلة التي يعود إليها فلاسفة التقليد القاري مرارا وتكرارا، إما من خلال محاولة إيجاد وسيلة جديدة للاستجابة لها - كما هي الحال مثلا في أعمال هابرماس ودريدا - وإما من خلال رفض السياق التاريخي والفلسفي الذي تطرح فيه المشكلة؛ على سبيل المثال: في أعمال رورتي. (4) العلاقة بين الفلسفة والمجالات غير الفلسفية في التقليد القاري
بطبيعة الحال، تتمثل الصعوبة الإضافية هنا في أن مثل هذه المواجهة مع العدمية لا يمكن ببساطة أن تتم في مجال الفلسفة، إذا كان مسلما - كما هي الحال لدى مفكرين متنوعين مثل نيتشه وهايدجر وأدورنو - أن الفلسفة متآمرة مع القوى التي تنتج العدمية؛ فبالنسبة إلى نيتشه، الفلسفة عدمية؛ فهي مليئة بالزهد و«الضغينة» الخاصين بالتأويل المسيحي الأخلاقي للعالم. وبالنسبة إلى هايدجر - كما سنرى لاحقا - الفلسفة التقليدية لا ترغب في معرفة شيء عن العدم في جوهر مبدئها الخاص بالسبب الكافي. وبالنسبة إلى أدورنو، يحيط بالفلسفة خطر أن تصبح خطابا أيديولوجيا من التجريد يتآمر مع تجريد المجتمع الرأسمالي السلعي المادي.
Page inconnue