La Philosophie Anglaise en Cent Ans (Première Partie)

Fouad Zakaria d. 1431 AH
95

La Philosophie Anglaise en Cent Ans (Première Partie)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genres

1916:

عودة اتحاد الجماعتين (المكان: شارع تشابل).

1923:

وفاة هاريسون.

إذا ما تركنا جانبا ذلك المؤثر الأجنبي الذي كانت له أكبر النتائج على الفكر الإنجليزي في القرن التاسع عشر، وهو المثالية الألمانية، فمن المؤكد أنه ليس ثمة مذهب آخر كان له ذلك التأثير الباقي الذي كان للمذهب الوضعي عند أوجست كونت، ولكن هناك مع ذلك فارقا هاما بين مجالي تأثير هاتين الحركتين الأجنبيتين؛ فمجال تأثير المثالية كان هو الأوساط الأكاديمية؛ إذ كان أول الناس وأقواهم تأثرا بها هم الفلاسفة المحترفون، الذين اتخذ تفكيرهم بفضلها اتجاهات جديدة، أما الوضعية فقد انتشرت بوجه خاص في الأوساط الثقافية العامة في ذلك العصر، ولم يكن الفلاسفة المحترفون يحملون لها احتراما كبيرا. وفضلا عن ذلك فإن الوضعية تدين بالاتساع النسبي لنطاق تأثيرها إلى وجود تنظيمات دقيقة لها، تمشيا مع روح كونت، وبذلت مراكزها التنظيمية جهدا كبيرا في نشرها. ورغم ذلك فإن الحركة الوضعية الإنجليزية لا تنتمي إلى مجال الفلسفة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، فمذهب كونت لم يعط التفكير الإنجليزي من القوة الدافعة ما أعطاه إياه مذهبا كانت وهيجل، على النحو الذي كان كفيلا بإدخال تطور هذا التفكير في مرحلة جديدة، وإنما ظلت الوضعية - حيثما وجدت قبولا - مقيدة بنفس الصورة التوكيدية الصارمة التي خلفها عليها مؤسسها. وقد أدى تحجرها في عقيدة مدونة على يد تلاميذ هذا الأستاذ - أو على الأصح مريديه - إلى ابتعادها كل البعد عما يقتضيه المذهب الفلسفي الأصيل من حيوية وقوة متدفقة. ومن هنا لم يكن من المستغرب ألا يكون هناك، ضمن صفوف دعاة كونت في إنجلترا، أي ذهن فلسفي من الطراز الأول، وإنما كان هؤلاء قبل كل شيء متخصصين في العلوم، ورجال أدب، وأشخاصا من ذوى النوايا الطيبة الذين رأوا في فلسفة كونت عقيدة جديدة أحسوا أن من واجبهم نشرها في زمنهم. وهكذا فإن الحركة الفلسفية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (وهي الفترة التي بلغ فيها نمو الوضعية وازدهارها مداه)، لم تستفد إلا قليلا، إن كانت قد استفادت شيئا على الإطلاق، على الرغم من الحماسة الحقيقية والدعوة الصادقة لأنصارها (وربما بسبب هذه الحماسة وتلك الدعوة ذاتها)، فقد اقتبست تعاليم كونت على أنها عقيدة ثابتة، وحفظت على هذا الأساس، ولم يتجاوز الوضعيون أبدا نطاق التسبيح بحمد أستاذهم وترديد كلماته المقدسة.

وإذن فالوضعية الإنجليزية ليست مذهبا جديدا، بل وليست تفريعا أو تكملة أو توسيعا جديدا لمذهب قديم، وإنما هي مجرد نقل لجذور فلسفة كونت، أو على الأصح عقيدته، وإعادة زرعها في تربة غريبة. ومن هنا فسوف نكتفي فيما يلي بافتراض أن محتوى المذهب معروف؛ لأنه هو بعينه مذهب كونت، ونقتصر على إيراد أهم تواريخ هذه الحركة ومراحلها. فمنذ العقد الخامس من القرن الماضي، عندما بلغت مكانة كونت قمتها، ارتفعت بعض الأصوات الكبيرة تشير إلى الدلالة الفائقة الأهمية لهذا الفيلسوف، وطبيعي أن هذه الأصوات قد صدرت عن تلك المدرسة الفكرية التي كانت أقرب إلى مذهب كونت بفضل اشتراكها معه في الأصل، أعني المدرسة التجريبية؛ فالوضعية والتجريبية معا يرجعان في أصلهما إلى هيوم، بوصفه الأب الروحي لهما، وقد قال كونت نفسه عن المفكر الاسكتلندي الكبير إنه الممهد الحقيقي لفلسفته. وهكذا فإن جون ستيوارت مل، الذي كانت له مراسلات أدبية متصلة بكونت منذ عام 1841،

1

قد تحدث في كتابه «المنطق» (1843) عن الفيلسوف الفرنسي بوصفه واحدا من أول المفكرين الأوروبيين، كذلك أشار ج. ه. ليويس

G. H. Lewes

إلى مكانة كونت في حركة الفلسفة الحديثة، عندما أطلق عليه، في كتابه «تاريخ الفلسفة من خلال سير الفلاسفة

Page inconnue