La Philosophie Anglaise en Cent Ans (Première Partie)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Genres
للمعرفة في المذهب التجريبي الأقدم عهدا، ولا سيما النتائج الشكاكة التي استخلصها هيوم منها، فعندما نعرف العالم الخارجي، يكشف لنا التحليل عن الفعل الذهني من جهة، وعن الموضوع الحقيقي من جهة أخرى، ويكون الموضوع - بما هو خارجي - حاضرا مباشرة في الإدراك الحسي، ولا يحتاج إلى صورة أو تمثلات معترضة تتوسط بيننا وبين حقيقة الأشياء الخارجية، وعلى ذلك فإن ريد يرفض ما يسمى بالنظرية التمثيلية
Representative
في الإدراك الحسي أو المعرفة، ويرفض جهاز التمثلات بأسره (من أفكار وانطباعات)؛ ذلك لأن معرفتنا للأشياء الخارجية على نحو مباشر في الإدراك الحسي، هي أحد المبادئ الأساسية للفهم البشري السليم، وهو مبدأ نوقن به حدسيا، ولا مجال لدينا للشك في حقيقته، وبالمثل يبدأ هاملتن بقبول «الواقعية الطبيعية
Natural realism » التي تضمنتها نظرية المعرفة عند ريد، غير أن مذهبه يتضمن منذ البداية تقدما هاما بالنسبة إلى ريد؛ إذ هو لا يحاول بلوغ هذه النتيجة بالإهابة بالفهم السليم لذهن الإنسان العادي فحسب، وإنما عن طريق التحليل النقدي لعملية المعرفة أيضا، وهو في رفضه الصريح لهذه الإهابة يعود ثانية إلى أرض البحث الفلسفي الحقيقي. وهكذا أحل النقدية الكانتية محل قطعية ريد، غير أن هذا ينطوي على تغيير في وضع المشكلة، فمشكلة المعرفة لا تحل بمجرد تأكيدنا أننا نشعر «مباشرة» بالواقع المادي على أنه شيء مختلف عنا أو عن أحوالنا الذهنية، والقول بأن الموضوع بما هو كذلك ماثل في الوعي، هذا القول إذا ما نظر إليه على أنه يعني أن وجود الموضوع ينبغي أن يكون في هوية مع الصفة أو الكيفية المجربة، لكان من الواضح أن هذا الشرط لا يتوافر في حالات كثيرة؛ ولذلك كنا في حاجة إلى اختبار نقدي دقيق لمفهوم الحضور المباشر
Immediacy ، ومثل هذا الاختبار كفيل بأن ينبئنا مثلا بأن كل معرفة عن طريق التذكر لا يمكن أن تكون مباشرة على نفس النحو الذي تكون عليه المعرفة الآتية من الإدراك الحسي مباشرة؛ إذ إن الموضوع الذي مضى لا يعود ماثلا، والذي يكون ماثلا مباشرة في هذه الحالة إنما هو صورة متذكرة نستخلص منها استدلالات عن الشيء الذي كان ماثلا من قبل، وعلى ذلك فالمعرفة المباشرة لا تكون ممكنة إلا في حالة الإدراك الحسي، ولكن حتى في هذه الحالة يكشف لنا تحليل هاملتن النقدي عن استحالة الإبقاء على فكرة «المباشرة» في صورتها الساذجة في كثير من الأحيان؛ لذلك رأى نفسه مضطرا إلى التحول عن نظرية الموقف الطبيعي
Common-Sense
الأصلية بمقدار لا يقل عن مقدار تحوله عن النظريات الظاهرية
التي وجهت ضدها نظرية الموقف الطبيعي، والنتيجة النهائية هي أن كل ما يمكننا أن نعرفه عن العالم الخارجي ليس إلا محتويات للوعي، وأن الوعي بالتالي هو الدليل الوحيد الموثوق به، على وجود الأشياء الخارجية، وبهذا لا يبقى من واقعية ريد الطبيعية سوى مجرد معرفتنا أن الوعي لا يكشف عن الأنا وأفعاله النفسية فحسب، بل يكشف أيضا عن اللاأنا وعلاقاته بالأنا، ولكن هذا يعني أن نظرية الموقف الطبيعي التي وضعها ريد لتكون حائلا دون النزعة الذاتية والنزعة الشكية، قد تغيرت على يد هاملتن إلى حد أنها عادت إلى الرأي القائل بأن معرفتنا الحقة لا يمكنها أن تمتد إلى ما وراء الظواهر العابرة للوعي، وهكذا عادت الواقعية الطبيعية القهقرى إلى نفس المذهب الظاهري الذي لم تظهر أصلا إلا لتفنيده.
ومن الواضح أن هذه الحجج قد استمدت من كانت أكثر مما استمدت من باركلي أو هيوم، ومن ثم فإنها لا تمثل مجرد رجوع إلى النظريات التي حاربها ريد، وإنما تمثل تقدما عليها، وانتقالا إلى النظرية النقدية للمعرفة كما قال بها ذلك المفكر الألماني، ويتضح ذلك إذا أدركنا أن مبدأ النسبية يرتبط عند هاملتن بنظرية الإدراك الحسي، وأن هذا المبدأ هو ذاته محور ارتكاز فلسفته بأسرها. ويتلخص موقفه العام في نظرية الإدراك الحسي في القول بأننا ندرك مباشرة في وعينا الكيفيات الأولى للأشياء على الأقل، وأن لنا الحق في القول إنها توجد على نحو ما ندركها حسيا، وإلى هذا الحد تكون معرفتنا للأشياء الخارجية مباشرة حاضرة، لا توسط فيها ولا إنابة، غير أن المبدأ الأساسي القائل بنسبية المعرفة ينطوي على القول بأننا لا نعرف شيئا كما هو في ذاته، وأننا بالتالي نقتصر على معرفة الظواهر، وأن الأشياء في ذاتها مختفية عنا، وواضح أن بين الاثنين تناقضا لا يرفع، ومع ذلك، فإن النظر في الأمر يبين أن نظرية الإدراك الحسي هي التي ينبغي أن تفسر في ضوء مبدأ النسبية، لا العكس؛ ذلك لأنه يتضح آخر الأمر أن الكيفيات الأولى التي نعرفها مباشرة، والتي تشهد بوجود عالم مستقل عن الوعي، لا تعدو أن تكون ظواهر، وهذا معناه أنها نسبية متوقفة على قدراتنا في المعرفة، وأن هذه تعدلها على نطاق واسع، وبالتالي فإن هذه الكيفيات عاجزة عن إظهار الواقع في ذاته. وهكذا ينتهي مذهب هاملتن آخر الأمر إلى الموقف القائل بأن العالم الخارجي، من حيث هو عالم قابل للمعرفة، لا يوجد مستقلا عن الذات العارفة.
ولهذه النظرية نتائج تؤدي إلى اللاأدرية، التي تقترب في نواح عديدة من المذهب الكانتي، أو على الأصح من التفسير السائد لتعاليم كانت، وهو التفسير الذي يهتم أكثر مما ينبغي بالعناصر الظاهرية
Page inconnue