من الأسئلة الفلسفية التي شغلت بال الفيلسوفة: ما نوع العالم الذي نعيش فيه؟ كيف يمكن إقامة حد فاصل بين المعرفة والخطأ؟ ما الشر؟ وما الخير؟ وهي الأسئلة التي وضعتها أساسا لكتابها النير: «فيم نحتاج الفلسفة؟» حيث دافعت في 18 مقالة عن الحاجة إلى وجود الفلسفة في كل مكان؛ لأن الحضارة الغربية قد أفلست بسبب فشل الفلسفة والفلاسفة في الدعوة إلى تقعيد وتشييد فلسفة العقل؛ فالفلسفة لا يجب أن تكون من اختصاص من يسكنون في البرج العالي؛ لأنها فلسفة للعيش على الأرض؛ عيش الفرد من أجل ذاته لا من أجل الآخرين. فكل كائن يعيش بطبيعة تحدد له الشروط الضرورية للحفاظ على بقائه، والناس بحاجة إلى منظومة أخلاقية؛ لأن محيطهم لا يمنحهم الأجوبة المباشرة على حاجاتهم. وفي هذا ترد على كانط الذي ارتكز جهده، بحسبها، على وضع أخلاقية غيرية قوضت النهضة الحديثة، ودمرت أسس الذاتية العقلانية؛ لأن الفرد يمكن وفق الواجب الكانطي، أن يكون شريرا أو خيرا؛ لأنه يؤمن بالأساس الذاتي للقواعد الأخلاقية كقاعدة عامة للتصرف والسلوك البشريين. فهذا «الفيلسوف الكسول» (كما نعتته) دمر النزعة الفردية التي هي قوام الحياة وأساس البقاء، معتبرة إياه «أكبر شخص سيئ في تاريخ الفلسفة». أبدى الكثير من المهتمين بالفلسفة المعاصرة، شكهم حول كون آين راند فيلسوفة، واعتبروها روائية وكاتبة سيناريو. غير أن هذا الاعتراف الذي كتبته في مقدمة كتابها «في سبيل نخبة جديدة»، يمكن أن يغير التحفظ حولها: «يطلبون مني ما إذا كنت روائية أو فيلسوفة! وأجيب: الاثنتين معا. وبمعنى من المعاني، فكل روائية فيلسوفة؛ لأننا لا نستطيع أن نقدم صورة عن الوجود البشري من دون إطار فلسفي؛ فقبل أن أحدد وأشرح وأقدم تصوري للإنسان، علي أن أكون فيلسوفة بالمعنى الدقيق للكلمة.»
نانسي فريزر: الحاجة إلى فضاء عمومي عابر للأوطان
نانسي فريزر فيلسوفة أمريكية معاصرة (1947-...) تدرس الفلسفة والعلوم السياسية في «الكلية الجديدة للأبحاث الاجتماعية»، (وهي نفس المدرسة التي درست فيها حنة آرنت). تهتم بموضوعات الفلسفة السياسية التي شغلت الجيل الثالث للنظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت)، من أمثال أكسيل هونيث مدير المدرسة، وجوديث بتلر وسيلا بن حبيب، وهابرماس ... ويشكل موضوع العدالة والحق والنظرية النسوية وحول الفضاء العمومي، محور كتاباتها العديدة حيث قامت بمراجعات أساسية.
هي ثلاثة مجالات تحكم تفكير نانسي فريزر السياسي والفلسفي:
المجال الأول:
يتعلق بالمجال السياسي حيث تنظر وتعيد النظر في مفهوم الفضاء العمومي كما نحته هابرماس؛ لتؤسس أطروحتها الأساس حول الحاجة إلى تجاوز التصور الويستفالي الذي حكم هابرماس في نظريته، مقرة بوجود فضاء عمومي كوني يتجاوز الحدود السيادية الكلاسيكية، وهو فضاء تلعب فيه فئات وحركات اجتماعية جديدة أدوارا هامة. وتشكل كتبها الثلاثة أساس تصورها هذا: «ما هي العدالة الاجتماعية؟ الاعتراف وإعادة التوزيع» (مارس 2011). وكتاب «دينامية النساء» (2013). جدالات نسائية: مطارحات فلسفية. بالاشتراك مع سيليا بن حبيب وجوديث بتلر، ودروسيلا كورنل. (1994).
المجال الثاني:
يتعلق بالمجال الثقافي؛ حيث تعيد النظر في مفهوم الاعتراف مع ظهور الأشكال الجديدة للتفاوتات بين الناس في الرأسمالية المعاصرة: ظهور التعدد الثقافي ونشاط النسوية الجديدة، وتدفق الهجرة ومشاكل الاستبعاد الاجتماعي. وقد ساجلت أكسل هونيث وجوديث بتلر وبول ريكور حول هذا المفهوم؛ لتحاول التوفيق بين الأسس الفلسفية للاعتراف عند هونيث والأسس الثقافية لهذا المفهوم عند تشارلز تايلور. وهو ما بلورته في كتابها: التصور الراديكالي: بين إعادة التوزيع والاعتراف (2003)، وفي: إعادة التوزيع أو الاعتراف؟ مطارحات فلسفية-سياسية مع أكسيل هونيت، (2003).
المجال الثالث:
ويتعلق بالمجال الاقتصادي حيث تعيد النظر في مفهوم إعادة التوزيع: ذلك أن تصور العدالة الكلاسيكي ينبني على تصور معين لتوزيع الثروة، وهو التصور الذي يحاول أن يعيد النظر في النظريتين الأساسيتين حول العدالة: التصور الماركسي والتصور الليبرالي السياسي كما نجده لدى جون راولز وهابرماس؛ إيمانا منها بالحاجة إلى وضع جديد تسميه «وضع ما بعد الاشتراكية»، وهو ما قامت بالتأسيس له في: «انقطاعات العدالة: تأملات نقدية حول الوضع ما بعد-الاشتراكي» (1997). وفي: «موازين العدالة: إعادة تصور الفضاء السياسي في عالم معولم» (2008). (1) نظرية نانسي فريزر في الفضاء العمومي «لا يلائم «النموذج الليبرالي للفضاء العمومي البرجوازي»، النظرية النقدية المعاصرة. نحن بحاجة إلى تصور ما بعد برجوازي يسمح لنا بتخيل دور الفضاءات العمومية (أو على الأقل البعض منها) الذي يتجاوز الشكل البسيط لرأي ذاتي مستقل ومنفصل عن السيرورة الرسمية لاتخاذ القرار.»
Page inconnue