La philosophie, ses types et ses problèmes
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Genres
معايير السلطة (1)
القدم : من المعايير الأكثر شيوعا، المستخدمة في الاختلاف بين السلطات المتنافسة: معيار القدم
Antiquity . فأقدم مصادر المعرفة هو أكثرها يقينا، وينبغي الحكم على كل من يطالبون بدور السلطة المطلقة على أساس السن. وهكذا فإن أقدم نظم الحكم، وأقدم الكنائس، وأقدم العادات، هي على الأرجح تلك التي تمثل الحقيقة والصواب، «فأقدم الطرق أفضلها» و«الذي تعرفه خير مما لا تعرفه» - أو هو على الأقل أحق بأن يكون على صواب.
هذا المعيار مبني على مسلمتين: إحداهما صحيحة والأخرى واضحة البطلان. فالمسلمة المقبولة هي أن المذهب أو النظام كلما كان أقدم، كان قد اجتاز اختبار الزمن أكثر من غيره، وكان عمره ذاته دليلا على أنه قد اجتاز هذا الاختبار بنجاح. فلما كانت أجيال متعاقبة من الناس قد وجدته صحيحا، فإن احتمال أن يكون صحيحا بالفعل أقوى من احتمال صحة ما لم يمر إلا بفترة اختبار قصيرة. ومن الممكن أن تعد هذه القاعدة فرعا من قاعدة «بقاء الأصلح»، وقد اتفق جميع المفكرين على أنه، إذا تساوت كل الظروف الأخرى، فمن الممكن أن يكون اختبارا صحيحا للمعرفة. وبعبارة أخرى فإن المذهب أو النظام الذي استطاع البقاء وقتا طويلا، لا يستطيع أن يطالب لنفسه بنسبة أكبر في احتمال أن يكون سلطة مشروعة إلا إذا كانت المنافسة بين الخصوم حرة، بحيث يكون من كتب له البقاء هو الأصلح بحق. أما إذا كانت السلطة تتمتع باحتكار، وكان سبب قدرتها على الاحتفاظ بمركزها هو أنها قد قضت على كل منافسة، فعندئذ لا يكون القدم ضمانا بأن أية سلطة هي مصدر صحيح للمعرفة. ويضيف الفيلسوف إلى هذا أن الأمر كان كذلك طوال الجزء الأكبر من تاريخ البشر: ذلك لأن شتى أنواع السلطات كانت تستخدم مركزها، على نحو يكاد يكون محتوما، من أجل القضاء على المعارضة؛ وبالتالي من أجل الاحتفاظ لنفسها بمركز مميز. ومن هنا فلا يمكن السماح للسلطة أن تدعي بأنها مشروعة على أساس القدم وحده إلا في حالات قليلة جدا، وربما لم يكن من الممكن السماح لها بذلك على الإطلاق.
أما المسلمة الأخرى التي ترتكز عليها حجة القدم فسرعان ما يتضح لنا بطلانها بمجرد أن نركز انتباهنا عليها، بل إننا لنعجب لكون الناس قد انخدعوا بهذا الخطأ الواضح في أي وقت. فكثيرا ما يقول أنصار مذهب السلطة إنه «لما كانت السن الكبيرة أحكم من الشباب، فمن الواجب أن نبجل آراء أجدادنا». وكما قال و. ب. مونتاجيو، فإن هذه مغالطة تتعرض لها الأذهان المحافظة بوجه خاص. ولنقتبس هنا جزءا من تحليله لهذا الخطأ: «لو كان أجدادنا أحياء الآن لكانوا مسنين جدا، ولكانت آراؤهم، بوصفها نتيجة أجيال من الخبرة، جديرة بالتبجيل حقا. ولكن في الوقت الذي صرح فيه أجدادنا بالآراء التي أصبحت الآن موغلة في القدم، والتي يطلب إلينا تبجيلها، كانوا صغارا في السن مثلنا، وكان العالم الذي يعيشون فيه أصغر بكثير من حيث خبرة النوع. فمهما يكن قدم آرائهم، فإنها تعبر عن طفولة الجنس البشري، لا عن نضجه. ومن هنا فإن قدم الرأي أو الاعتقاد هو في واقع الأمر قرينة تنقص من حقيقته ولا تزيدها».
3 (2)
العدد : والمعيار الثاني، الخارج عن نطاق السلطة، للمفاضلة بين الادعاءات المتعارضة هو معيار العدد. وصيغة هذا المعيار بسيطة، فالمذهب أو السلطة التي يقبلها أكبر عدد من الأشخاص هي الصحيحة. ولهذه الحجة ذاتها صيغة أخرى يمكن أن تسمى بعبارة العمومية، تذهب إلى أن أي اعتقاد يحظى بقبول عام يكاد يكون من المحقق أنه صحيح. ولنعبر عن هذا الرأي ذاته من خلال مشكلتنا الحالية فنقول إن السلطة التي يعترف بها في كل مكان هي التي يعتمد عليها أكثر من غيرها بوصفها مصدرا للمعرفة.
ويلاحظ أن المسلمة التي يبنى عليها هذا المعيار هي في أساسها نفس مسلمة القدم، فكلما ازداد عدد الأذهان التي تقبل مذهبا ما كان عدد الاختبارات التي يواجهها أكبر؛ وبالتالي كان احتمال صحته أكبر. ويبدو هذا المعيار في ظاهره أمرا يمكن الاعتماد عليه، ولكن إعمال الفكر فيه سرعان ما يكشف نقاط ضعفه. فمجرد العدد لا يمكن أن تكون له أهمية بوصفه عاملا في تحديد الحقيقة إلا إذا كانت الأذهان قد توصلت إلى أحكامها المختلفة كل على نحو مستقل عن الآخر. ففي المحكمة مثلا لا تكون هناك أهمية لعدد الشهود الذين يدلون بنفس الشهادة إلا إذا كنا على ثقة بأنهم قد توصلوا إلى آرائهم بحيث إن كل واحد منهم مستقل عن الآخر. ومثل هذا يصدق على شتى أنواع آراء الخبراء: فعدد الخبراء الذين يمكن الإهابة بهم تأييدا لموقف معين لا يمكن أن يزيد من دعم هذا الموقف إلا إذا كانوا قد توصلوا إلى هذه الآراء مستقلين.
بل إننا، حتى في أيامنا هذه - حيث يستطيع رأي الأغلبية أحيانا، في الدولة الديمقراطية، أن يكون ذا سلطات شاملة - نكون عادة حذرين في تأكيد أية علاقة ضرورية بين الأعداء وبين الحقيقة. وهذا ما علمنا إياه التاريخ، الذي يحفل بأمثلة آراء للأغلبية ثبت بطلانها، بل بحالات لمعتقدات شاملة اتضح خطؤها. وأوضح مثل على ذلك هو «حقيقة» أن الأرض مسطحة، وهي حقيقة كانت في وقت من الأوقات اعتقادا يقول به الجميع ولا يتشكك فيه أحد. وفضلا عن ذلك، فإن أشد أنصار مذهب السلطة تعصبا يكون هو ذاته شاعرا في العادة بأنه قد يكون متمسكا بنظرية معينة تمثل وجهة نظر الأقلية، ولا يكون بطبيعته راغبا في أن تقدر هذه النظرية المعينة على أساس إحصاء الرءوس فحسب. وهكذا فإن معظمنا يدرك اليوم أن استخدام المعيار العددي لإقرار السلطة ما هو إلا وسيلة اصطلحت عليها الحكومة الديمقراطية فحسب. (3)
النفوذ : والمعيار الثالث لتحديد السلطة هو معيار النفوذ
Page inconnue