La philosophie, ses types et ses problèmes
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Genres
والأدلة المباشرة على التطور قليلة جدا - إن كانت هناك أدلة على الإطلاق. والمقصود بالأدلة المباشرة، الأمثلة الملاحظة لحدوث تعديل فعلي. وإذن فينبغي أن تظل النظرية بأسرها دون إثبات، بل تظل غير قابلة للإثبات ما لم تتم ملاحظات كهذه. (3)
ولا يستطيع من يدافع عن نظرية التطور أن يقدم تفسيرا مرضيا لأصل الحياة؛ إذ إن حججه كلها تفترض أن الحياة موجودة من قبل، وهو بالطبع هروب من مسألة عظيمة الأهمية. (4)
ويذهب القائل بنظرية الخلق أخيرا إلى أن النظرية التطورية تمثل تبسيطا مفرطا لوقائع هي في ذاتها شديدة التعقيد. فالكلمة «يتطور» مثلا تستخدم بحيث تدل على عوامل كثيرة، وما هي في الواقع إلا قناع يخفى جهلنا بالوسيلة التي كان يمكن أن يحدث بها هذا النمو المتدرج بالفعل.
وردا على ذلك، يعترف القائل بنظرية التطور بوجود ثغرات حقيقية بالفعل في كثير من سلاسل النمو المتدرج، ولكنه يشير إلى أن استمرار التقدم العلمي يؤدي إلى سد هذه الثغرات بالتدريج. وعلى أية حال، فمن المؤكد أنها أقل اتساعا مما كانت من قبل. وهو أيضا يعترف بالجهل فيما يتعلق بأصل الحياة، ولكنه يذهب إلى أن الاعتراف النزيه بالجهل أفضل إلى حد لا متناه من التعليل الخيالي الساذج - ولا نقول الخرافي - الذي يفترضه كثير من القائلين بنظرية الخلق لأصول الأشياء. وفضلا عن ذلك فإن الافتقار إلى أدلة ملاحظة مباشرة على التطور ليس أخطر في هذه الحالة مما هو في حالة بناء فرضي آخر هائل، هو المذهب الذري للفيزياء الحديثة. فكلتا النظريتين تمثل أفضل محاولة للقيام بما ينبغي على كل فرض علمي أن يقوم به: أعني تفسير كل الوقائع المتعلقة بالموضوع بأبسط الطرق الممكنة وأكثرها فعالية وأقربها إلى المنطق. وأخيرا فإذا كان الأساس اللازم للبت في هذا الموضوع هو الأدلة الملاحظة المباشرة، فهل في استطاعة القائل بنظرية الخلق أن يضرب لنا مثلا لحالة لاحظ فيها أي شخص خلق من نوع جديد؟ (9) الحجج الأخلاقية
من الأفضل، عند استعراض الحجج الأخلاقية التي يتقدم بها كل من الطرفين، أن ندع القائل بنظرية الخلق يتحدث أولا؛ إذ إن معظم عتاده الثقيل مستمد من المجال الأخلاقي. (1)
ما زال كثير من القائلين بنظرية الخلق يشعرون بالقلق لأن التفسير الدارويني لأصل الأنواع لا يتمشى مع تفسير الإنجيل، وإن كانت هذه الحجة قد أصبحت اليوم أكثر ترددا على الألسن مما كانت عليه من قبل. (2)
كذلك فإن الصورة التطورية، التي تشمل الإنسان، تنطوي على الحط من الجنس البشري. فلم يعد الإنسان يبدو آخر مخلوقات الله (وأثرها لديه)، وإنما أصبح مجرد نوع حيواني آخر . (3)
كذلك فإن نظرية التطور، كما قلنا من قبل، تبدو وكأنها تلغي الحاجة إلى غاية أو إرادة خلاقة في الكون ، بما تقدمه من تفسير طبيعي بحت للظواهر البيولوجية، بل إن النظرية بأسرها إنما هي محاولة أخرى للقضاء على العنصر فوق الطبيعي في تفكير الإنسان. (4)
وليس في استطاعة فرض التطور أن يقدم إلينا صورة لبداية مرسومة أو غاية مرغوب فيها للحياة على الأرض. ذلك لأن العلوم المختلفة يبدو أنها توحي بأن أرضنا ستنجذب في وقت ما، إلى الشمس نتيجة لفقدانها قدرتها على الاندفاع المستقل، أو ستفقد حرارتها نتيجة لبرودة الشمس تدريجيا، أو ربما صادفت كارثة من التصادم مع جرم فلكي آخر. فإذا كانت هذه هي الصورة الصحيحة لمصير الإنسان، فعندئذ يكون الإنسان عقيما تماما، وكذلك الحال في مثله العليا. (5)
وأخيرا فإن نظرية التطور، بما تفترض من تطور لمثلنا العليا مع تطور تركيبنا الجسمي، تقترح أصلا طبيعيا بحتا لوجود الإنسان الأخلاقي. وهنا أيضا يستبعد ما فوق الطبيعي، ويقترح علينا تفسير مادي آلي لطبيعة الإنسان الروحية.
Page inconnue