La philosophie, ses types et ses problèmes
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Genres
يرجع إلى دارون الفضل الأعظم في صياغة هذا الفرض علميا؛ وبالتالي في الجمع بين التيارين المتلازمين، تيار البحث العلمي وتيار النظر الفلسفي. ولقد كان دارون، في مزاجه الطبيعي وفي تكوينه، عالما طبيعيا بيولوجيا بالمعنى الصحيح. فقد كان مقتنعا، حتى في شبابه، بأن هناك نموا متدرجا لأنواع
Species
جديدة في الطبيعة، مثلما أن هناك نموا لفروع
Varieties
جديدة في الطبيعة وفي السلالات الحيوانية التي يربيها الإنسان. وكان الرأي التقليدي هو أنه على الرغم من أن الفروع يمكن تعديلها بتربية السلالات أو بفضل ظروف البيئة، فإن الأنواع المختلفة كانت ثابتة مثلما خلقت؛ لذلك أدت هذه الفكرة التي اقتنع بها دارون إلى إثارة مشكلتين في ذهنه، فقد كان عليه أولا أن يجد نوعا من التفسير المنطقي لما يقول به من ظهور للأنواع الجديدة، وكان عليه ثانيا أن يجمع أدلة تزيد على ما كان موجودا من قبل، لإثبات أن مثل هذا التعديل للأنواع «الثابتة» يحدث بالفعل. ومن حسن الحظ أنه اهتدى في سن مبكرة إلى طريقة ممكنة للتفسير، بحيث إن مشكلته المزدوجة قد اختصرت إلى نصفها. فعندما كان في التاسعة والعشرين فقط من عمره، توصل من خلال كتابات المفكر الاقتصادي الإنجليزي «مالثوس
Malthus » إلى الفكرة التي كان يبحث عنها. وكانت النتيجة - كما وصفها بألفاظه هو - واحدة من تلك الفتوحات الفكرية الكبرى التي كانت لها أهميتها العظمى في تاريخ العلم:
في أكتوبر عام 1838م، تصادف أن قرأت على سبيل التسلية كتاب مالثوس في السكان، ولما كانت ملاحظتي الطويلة المستمرة لعادات الحيوانات والنباتات قد هيأت ذهني لتقدير أهمية الصراع من أجل الوجود، وهو الصراع الذي يدور في كل مكان، فقد تبادر إلى ذهني على الفور أن من الممكن، في ظل هذه الظروف أن تحفظ التغيرات المواتية ويقضى على التغيرات غير المواتية، فتكون نتيجة ذلك تكوين نوع جديد. وهنا أصبحت لدي نظرية أستطيع أن أبدأ العمل بها.
6
وهكذا اتخذ دارون من هذه الفكرة النيرة مرشدا، وقضى بعد ذلك واحدا وعشرين عاما يجمع الأدلة البيولوجية لتأييد فرضه. وأخيرا ظهر في عام 1859م كتاب «أصل الأنواع
The Origin of Species »، وهو من أعظم المؤلفات إثارة للفكر. ففيه يعرض مجموعة هائلة من الأدلة بوضوح كبير، ويدلل على الفرض الأساسي بطريقة مقنعة كل الإقناع، بحيث إن كتابه هذا لا يمثل العرض الكلاسيكي لوجهة النظر التطورية فحسب، بل إنه يعد أيضا واحدا من أبرز الأمثلة التي توضح كيف يعمل العقل العلمي. وفور ظهور هذا الكتاب اقتنع عدد كبير من العلماء بأدلة دارون، لم تمض سنوات قلائل إلا وكان فرض التطور قد حظي بقبول أغلبية الأذهان العلمية. ولكن من سوء الحظ أن ضمان القبول لهذه الفكرة خارج نطاق الأوساط العلمية كان أمرا أصعب بكثير. فقد كان الكنيسة متحاملة بوجه خاص على هذه النظرية؛ إذ إنها بدت لها مناقضة لتفسير الكتاب المقدس للخلق، ومؤدية إلى الحط من الإنسان إلى مستوى النوع الحيواني. ولكن من حسن الحظ أن دارون، الذي كان هو ذاته خجولا انطوائيا، وجد له نصيرين قويين في شخص هربرت سبنسر وتوماس هكسلي. وكان الأخير بوجه خاص مجادلا رائعا، أسمى نفسه «كلب حراسة دارون». فقد تحمل بشجاعة رائعة ومقدرة ووضوح في العرض، العبء الأكبر للهجوم الموجه من جميع الجهات على كتاب دارون، وقاد مرارا وتكرارا هجمات مضادة ناجحة على خصومه المقهورين».
Page inconnue