La philosophie, ses types et ses problèmes
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Genres
2 (1) مبدأ بقاء الطاقة، الذي يبدو منطويا على القول إن الطاقة الذهنية ليست إلا جزءا من الطاقة الفيزيائية. ومن ثم فهي خاضعة لنفس قوانين العلة والمعلول التي تحكم العالم الفيزيائي. (2) المفاهيم الآلية وشبه الآلية في الكيمياء والبيولوجيا، التي ترد المادة الحية إلى تجمع معقد من العناصر الفيزيائية الكيموية الخاضعة لقوانين الفيزياء والكيمياء خضوعا تاما، وهذه العناصر ذاتها تجعل سلوك الحيوان بأسره لا يزيد إلا قليلا أن يكون تفاعلا بين قوى فيزيائية تظل آلية عمياء، حتى عندما تنظم في أنماط بشرية معقدة من السلوك الأخلاقي. (3) معرفتنا المتزايدة بمختلف الانتحاءات
Tropism ؛ أي بالميول الفطرية إلى الاستجابة على نحو محدد لمنبهات، كما هي الحال مثلا في حركة نباتات وحشرات وحيوانات معينة استجابة لمنبهات كالضوء أو العناصر الكيموية. (4) قوانين الوراثة، التي تجعل من أي كائن عضوي نتاجا لعوامل متوارثة لا شأن له باختيارها، ولكنها مع ذلك تؤثر طوال حياته تأثيرا دائما في تحديد اتجاه قراراته وتشكيل أنماط سلوكه. (5) إدراكنا المتزايد لأهمية العوامل الجغرافية والمناخية، في الحياة البشرية، وهذا يعني أن البيئة المادية التي يولد فيها المرء أو ينتقل إليها قد تؤثر في سلوكه (وبالتالي في شخصيته) على أنحاء لا مهرب منها. (6) الشواهد الهائلة العدد، التي يقدمها علم النفس الحديث، لا سيما مدارس التحليل النفسي، على أن قدرا كبيرا من السلوك البشري يخضع لدوافع لا شعورية، وأن معظم هذه الدوافع ذو طابع لا عقلي، بل لامنطقي. فجميع أنواع الأفعال الاضطرارية، كتلك التي تحدثها المخاوف المرضية وحالات الجنون والحصر، قد تكون أوضح أمثلة وجود دوافع لا شعورية تتحكم في مواقف سلوكية معينة. (7) وأخيرا، هناك شواهد من العلوم الاجتماعية، حيث نجد نظرية هائلة التأثير، هي نظرية الحتمية الاقتصادية، التي يعد فيها التاريخ صراعا تتنافس فيه الجماعات أو «الطبقات» الاجتماعية على المزايا الاقتصادية. هذه النظرية ترى أن كل المعايير الثقافية - من قيم دينية ومقاييس أخلاقية، وأمان معنوية، بل ومثل عليا جمالية - إنما هي تعبير عن هذا الصراع الطبقي ودليل يشير إلى الجانب (أي الطبقة) التي يكافح من أجلها الشخص الذي ينادي بهذه المعايير. وتضاف إلى هذا كله معلوماتنا الفلكية والجيولوجية، التي يكون الإنسان تبعا لها مخلوقا ضئيلا إلى حد لا متناه، في عالم ضخم إلى حد متناه، ولا يكون التاريخ البشري كله إلا حلقة قصيرة إلى أقصى حد يمر بها كوكب سحيق في القدم. كل هذه المجموعة من الوقائع والنتائج تجعل كثيرا من الأفراد في الوقت الحالي لا يختلفون في نظرتهم القدرية إلى الحياة عن أي شرقي يقول «بالقسمة». (3) الحتمية في مقابل اللاحتمية
هناك وجهتا نظر ممكنتان تقف كل منهما في مقابل القدرية الأخلاقية للتفكير الشرقي وفي مقابل الموقف شبه العلمي الذي وصفناه الآن. ففي الطرف القصي المعتاد للقدرية نجد اللاحتمية
Indeterminism
أو الاختيارية
Libertarianism ، وفيما بين الموقفين المتطرفين، نجد الحتمية
Dererminism
وقد دار الخلاف الرئيسي، بالنسبة إلى الفلسفة بوجه عام، والأخلاق بوجه خاص، بين وجهتي النظر الأخيرتين هاتين. فعلى الرغم من أهمية القدرية في التفكير الشرقي، وفي الكتابات المتحمسة التي كانت تظهر في الغرب من آن لآخر تعبيرا عن وجهة نظرها، فإن هذا المذهب لم تكن له أهمية كبيرة في المذاهب الفلسفية الغربية؛ لذلك سنقتصر في بقية مناقشتنا على الحديث عن التقابل بين الحتمية واللاحتمية.
اللاحتمية : اللاحتمية، كما أوضحنا منذ قليل، هي النقيض المباشر للقدرية. فاللاحتمي يرى أنه، مهما يكن من خضوع الأشياء المادية، وربما الكائنات العضوية الحيوانية، لقوانين العلة والمعلول، فإن الإنسان يظل متحررا من هذه القوانين في إرادته أو في قدرته على اتخاذ القرارات. إن أجسامنا - شأنها شأن كل موضوعات عالم الزمان والمكان - تخضع بالضرورة لقوانين آلية كقانون الجاذبية والقصور الذاتي والمقاومة ... إلخ. وفضلا عن ذلك فإن طبيعة وظائفنا الجسمية فيزيائية كيموية إلى حد بعيد، وهي خاضعة لكل قوانين الفيزياء والكيمياء. ولكن القائل باللاحتمية يؤكد أن القوانين الميكانيكية أو الفيزيائية الكيموية لا تسري على طبيعة الإنسان الأخلاقية والإرادية ولا تفسرها. فهذه الطبيعة الأخلاقية والإرادية لا تخضع للحتمية، وهي حرة بالمعنى الصحيح، ذلك لأنه حتى لو كانت لدينا معرفة شاملة بماضي الفرد وشخصيته وجميع العوامل المتعلقة بموقفه الراهن (كمعرفة المنبهات التي يستجيب لها مثلا) فسيظل من المستحيل التنبؤ بالاختيار الذي سيقوم به في أي موقف معين. وبعبارة أخرى، فليس جهلنا وحده هو الذي يجعلنا نصف سلوك الشخص بأنه «لا يمكن التنبؤ به». بل إن السلوك يظل أصلا بمنأى عن أي تكهن، لسبب بسيط هو أن الحوادث التي يمكن التنبؤ بها هي تلك التي يكون لها أساس علي فحسب، فإذا كنا جاهلين بالأساليب، أو لم تكن هناك أسباب بالمعنى المألوف لهذا اللفظ (كما في هذه الحالة)، فمن الواضح عندئذ أن التنبؤ يكون مضيعة للوقت لا طائل وراءها. ويرى مذهب اللاحتمية أن الفرد لا يستطيع فقط أن يختار بلا سبب؛ أي أن يتخذ قرارات لا صلة لها بقراراته السابقة أو بأي عامل في تجربته الماضية - بل إنه يستطيع أيضا أن يستهل اتجاهات سلوكية تمثل تجديدا أصيلا في نمط حياته. وهكذا ينطوي الموقف اللاحتمي على فكرتين رئيسيتين: عدم القابلية للتنبؤ، والجدة الأصيلة.
الحتمية : يمكن القول إن الموقف اللاحتمي مرادف لما وصفناه من قبل بأنه رأي الأغلبية في الحضارة الغريبة. والواقع أن فكرة «حرية الإرادة» هذه، التي قبلها معظم الفلاسفة وجميع اللاهوتيين تقريبا، هي التي أدت إلى ثورة رواد مذهب الحتمية من أمثال هوبز واسبينوزا. أما في أيامنا، فإن الخصم الفلسفي للاحتمية هو موقف أكثر اعتدالا إلى حد ما من آراء المكافحين الأوائل في القرن السابع عشر. هذا الشكل الحديث للحتمية يمثل محاولة لإدماج نظرتنا إلى الإنسان في النظام العملي للطبيعة، ولكنه يسعى إلى تحقيق ذلك دون إنكار للوقائع الواضحة لتجربتنا الباطنة. هذا الموقف الوسط الذي سنطلق عليه من الآن فصاعدا اسم «الحتمية فحسب» يرى أن القدرية على حق عندما تؤكد أن كل سلوك يرجع إلى منبهات، والتالي فإن له «علة» مباشرة. ولكنه يتفق من جهة أخرى مع اللاحتمية حين تؤكد أن الذات أكثر من أن تكون مجرد مركب من المنبهات والاستجابات، بل إن الحتمية لتعترف بأن الذات قد تمثل مركبا جديدا خلاقا، تتحدد أفعاله تبعا لطبيعته الخاصة، لا تبعا لقوى خارجية. هذه المدرسة التي تسير في هذا الطريق الوسط تتحدث كثيرا عن «الحتمية الذاتية»، وتعني بهذا اللفظ أن أفعالنا هي نتيجة شخصيتنا وعاداتنا، التي هي بدورها حصيلة كل قراراتنا وتجاربنا السابقة. والإنسان في نظر هؤلاء الحتميين المعتدلين، له حرية أخلاقية؛ ومن ثم فلديه مسئولية أخلاقية. وقراراته تنتمي إليه بالفعل؛ إذ إنها نابعة عن ذاته الكاملة. وبالاختصار، فقراراتنا تأتي من الداخل، غير أن ردود الأفعال السابقة للذات الباطنة إزاء العالم الخارجي، وقراراتها الماضية بشأنه، تعمل على تعديل هذه الذات الباطنة وتشكيلها إلى حد بعيد.
Page inconnue