La philosophie, ses types et ses problèmes
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Genres
10
وبعبارة أخرى، فنحن لا نحصل على امتياز في السماء، أو في أي كتاب يسجل استحقاقاتنا الأخلاقية، جزاء على تلك الأفعال الصالحة التي نقوم بها نظرا إلى كونها نافعة، أو لأن دوافع الشفقة أو التعاطف أو الحب تحضنا على أدائها. أما إذا أديت نفس هذه الأفعال، وربما أفعال أقل منها نفعا وجلبا للسعادة، بدافع الواجب المحض، فعندئذ تصبح على التو أفعالا أخلاقية تستحق كل احترام ممكن.
وكما يمكننا أن نتوقع: فقد ظل مذهب كانت الأخلاقي ينتقد ويتعرض للسخرية طوال ما يزيد على قرن ونصف قرن. ومن المؤكد أنه يشجع لأول وهلة على السخرية. ولكنه يعد نتيجة منطقية بالنسبة إلى الإطار العام لتفكير كانت، بل إن خصوم كانت أنفسهم قد اضطروا إلى الاعتراف بأنه قد صرح بأمانة بحقيقة صلبة حاول عدد كبير من المفكرين الأخلاقيين تجنبها أو تخفيفها على نحو ما - ألا وهي أنه إذا كان للواجب أي معنى، فهذا المعنى ليس هو «الميل» أو «اللذة». وبعبارة أخرى، فالواجب لا يعرض علينا مساومة ، وإنما هو يأمر، وليس أمامنا إلا أن نطيعه أو نعصاه، ولكن لا جدوى من البحث عن حلول وسطى أو هروب من الإلزام الكامل في منتصف الطريق.
نقد آراء كانت : على أن من الأسهل بكثير أن ننتقد كانت على هذا الأساس الواضح، وهو أنه قد تجاهل العوامل الاجتماعية التي تكون المضمون الفعلي للواجب، وتعمل على انتشاره. فهو، بالاختصار، كان مهتما أكثر مما ينبغي بإثبات أن أوامر الواجب مطلقة. ولكنه لم يدرك (أو على الأقل لم يعترف) بأن أوامر الواجب مهما تكن مطلقة، فإن المجتمع هو الذي يحدد المضمون الفعلي لهذه الأوامر ويعمل على نشر هذا المضمون. فقد يولد الأطفال ولديهم «ضمير» بمعنى القدرة الكامنة على إصدار أحكام أخلاقية، ولكن لا يمكن أن يعترف أي عالم نفسي أو عالم اجتماعي في أيامنا هذه بأن لهذه القدرة أية صفة أخرى غير كونها كامنة. فالضمير صفحة بيضاء، إن جاز هذا التعبير، يعمل المجتمع (ممثلا إلى حد بعيد في شخص الوالدين) على أن يسطر عليها الأوامر الأخلاقية منذ ساعة ميلادنا.
كذلك يمكن اتهام كانت بأنه قد أفرط في تأكيد القيمة العليا للإرادة الخيرة. مثال ذلك أنه قد أصدر هذه العبارة المشهورة: «لا شيء في هذا العالم أو خارجه يتصف بالخير دون قيد أو شرط ما عدا الإرادة الخيرة». ويبدو أنه كان غافلا عن حقيقة واضحة، هي أن الأحمق ذا النية الطيبة يستطيع في كثير من الأحيان أن يرتكب من الشر بقدر ما يرتكبه الشرير المتعمد. والواقع أن تأكيد «كانت» هذا كان جزءا ضروريا من مذهبه الكامل، القائل إن الأخلاق لا صلة لها بنتائج أفعالنا. وهو لا ينكر أن نتائج أفعالنا هامة لسعادة البشر، ولكنه ينكر على وجه التحديد أن تكون لهذه النتائج، سواء أكانت سعيدة أم لم تكن صلة بخيرية أفعالنا أو شريتها. ومن الواضح أن هذا يؤدي إلى وضع كانت ، من الوجهة الأخلاقية، في الطرف الآخر المقابل لكل القائلين بمذهب اللذة، الذين يحكمون بالطبع على الأفعال على أساس تأثيرها في السعادة أو اللذة فحسب . ولكن لما كان «كانت» قد هاجم مذهب اللذة عن وعي، فقد كان على استعداد تام للوقوف في الطرف المضاد لها.
ولنلخص الآن بإيجاز مذهب كانت الأخلاقي حتى هذه النقطة. فالمعيار الوحيد للأخلاقية عنده هو دافع الفاعل. فإذا ما أدى الفعل بنية طيبة وعن إحساس بالواجب، كان فعلا أخلاقيا على الفور. أما الأفعال التي نؤديها بأي دافع آخر، فهي إما أخلاقية وإما غير أخلاقية. وينبغي أن نلاحظ أن كانت لا يقول إن كل الأفعال البشرية ينبغي أن تؤدى بدافع الواجب. ذلك لأنه قد أدرك، حتى على الرغم من كل صرامته الأخلاقية، أننا نفعل أشياء كثيرة لا صلة لها بالأخلاق، كأن نقرر أية «فردة» حذاء نلبسها أولا، أو ما إذا كنا سنروي الحديقة قبل الظهر أو بعده. ولكنه يؤكد على نحو قاطع أن الأفعال التي نقوم بها عن طاعة لأوامر الواجب هي وحدها الأفعال الأخلاقية. (6) من الذي يصدر أوامر الواجب؟
عند هذه النقطة نصل إلى مسألة أخرى تتضمنها كل فلسفات الواجب - وأعني بها، من الذي يصدر ما يسمى «بأوامر الواجب»؟ ألا يفترض الأمر دائما أمرا من نوع ما؟ ألا ينطوي مفهوم الواجب بأسره على القول بوجود مصدر ذي سلطة يحدد ما هو واجب وما ليس بواجب؟
رد مذهب الألوهية المفارقة : إن كل من يعترفون «بالواجب» بوصفه العنصر الرئيسي في الحياة الخيرة، يعترفون أيضا بالنتيجة الضمنية السابقة. ولكنهم، كما هو متوقع، لا يتفقون على مصدر هذه الأوامر. ومن حسن الحظ أن الكثيرين ممن تسيطر على أذهانهم فكرة الواجب هم في الوقت ذاته من المؤمنين بوجود إله مفارق؛ إذ إن هذا الإيمان يحل المشكلة حلا تاما. فالله، في نظر مثل هذا المؤمن، هو الآمر، وأداء المرء لواجبه يعني الامتثال للإرادة الإلهية. ونحن ملزمون بأداء الواجب على هذا النحو بحكم نفس طبيعة علاقتنا بالله؛ إذ إننا مخلوقاته وعبيده، ومن البديهي أن تطيع المخلوقات خالقها، وأن يطيع العبيد ربهم.
وبطبيعة الحال فإن للمذاهب الدينية المتباينة أراءها الخاصة في طريقة إبلاغ الله أوامره إلى البشر. فمن بين المسيحيين مثلا نجد أن البروتستانت يعترفون بالكتاب المقدس أو الضمير الشخصي (أو مزيج منهما معا)، على حين أن الكاثوليك يقبلون سلطة الكنيسة (أي الإكليروس وبقية رجال الكنيسة). ولكن أي مؤمن بالألوهية المفارقة يرى أن الوسيلة التي يتصل بنا الله عن طريقها أقل أهمية بكثير من حقيقة كونه يتصل بالفعل. ولذا فإن أصحاب هذا المذهب، ممن تتسلط فكرة الواجب على أذهانهم، قلما يهتمون بالآراء المتعددة التي تصل إلى حد التناقض، والمتعلقة بالوسائل التي تصلنا عن طريقها الأوامر الإلهية.
ولكن من الذي يصدر الأوامر لغير المؤمنين بالألوهية المفارقة؟ هذا الإيمان بالله بوصفه مصدرا لأوامر الواجب قد ينفع تماما مع المؤمنين بالألوهية المفارقة. ولكن كيف يمكن أن تؤدي عبارة «إطاعة الأوامر الإلهية» إلى حل المشكلة بالنسبة إلى شخص ذي ضمير حي، مستعد لأداء أي شيء يتطلبه الواجب، ولكنه لا يؤمن بإله - أو لا يؤمن على الأقل بإله يصدر أوامر أخلاقية؟ إن أمثال هؤلاء الأشخاص موجودون في الحضارة الغربية، ويبدو أن عددهم في ازدياد، بل إن كانت ذاته، الذي كان مؤمنا بالله، قد أدرك هذه المشكلة. وقد حاول الإتيان بنظرية في الواجب تكون مستقلة عن الإيمان بالألوهية المفارقة، ومتحررة من جزاء المكافآت والعقوبات فوق الطبيعية. وهكذا كان المقصود من نظريته الأخلاقية أن تكون دنيوية ومسيحية في آن واحد - أو أن تكون، كما كان هو ذاته يفضل أن يصفها، عالمية شاملة.
Page inconnue