La philosophie, ses types et ses problèmes
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Genres
إن الجميع يعلمون أن الممارسة الأخلاقية نسبية، والكثيرون يتوسعون في هذه الحقيقة وينظرون إلى كل المعايير الأخلاقية على أنها نسبية. ومع ذلك فإن القائل بالنزعة المطلقة يكون واثقا أن أي شخص عاقل لا بد أن يقبل النتائج المنطقية لمثل هذا التوسع. فهو أولا يعني (في رأي المذهب المطلق) أنه لا يمكن أن يكون هناك معيار للحكم على قانون أخلاقي معين بأنه أفضل أو أسوأ من الآخر، أو أعلى منه أو أدنى. فلن تكون هناك عندئذ أسس سليمة لتقويم السلوك، فيما عدا اتفاقه مع العرف المحلي أو القومي. ولنتأمل النتائج الكاملة لهذا الموقف: فإذا كان كل «خير» أو «صواب» نسبيا تبعا للزمان والمكان والظروف، وإذا كان سلوك الرجل الشرقي «صوابا» ما دام يتفق مع المعايير الشرقية، وسلوك الرجل الغربي صوابا إذا كان يرضي أمزجة الغربيين ، فعندئذ يمكن القول إن الالتجاء إلى التعذيب في عدالة العصور الوسطى كان صوابا، وأن المحاولات التي بذلت لإبطال عادة الهنود في دفن الأرامل بعد موت أزواجهن كانت محاولات خاطئة. ويواصل أنصار المطلق كلامهم فيقولون إن هناك نتيجة ثانية للنسبية، هي أن من المستحيل وجود تقدم أخلاقي في ظل معيار نسبي. فكيف نقول إن إلغاء الرق كان «خيرا» أو أن إنهاء الحروب سيكون «خيرا»، أو أن الأخلاق التي دعا إليها المسيح «أرفع» من تلك التي جاءت في العهد القديم؟ وثالثا فلماذا يحاول أي شخص أن يحيا حياة أخلاقية «أفضل»؟ «أفضل» من أي شيء؟ إننا نستطيع أن نقول إن السلوك الأخلاقي لشخص معين قد ازداد اقترابا من معايير عصره أو مجتمعه، أو نقول إنه يسلك الآن بطريقة تزيد من سعادته أو من رضا المجتمع عنه. ولكن ما لم يكن هناك معيار مشترك، شامل (أعني غير نسبي) يغدو أي حديث عن «الأفضل» أو «الأسوأ»، وعن «الأعلى» أو «الأدنى» يغدو لغوا، بل إن لنا أن نتساءل: ما الذي يمكن أن تعنيه ألفاظ مثل «الصواب» و«الخطأ» في مذهب يلتزم النسبية بدقة؟ من المؤكد أنها لا يمكن أن تكون ذات معنى له أدنى صلة بما كانت هذه الألفاظ تعنيه في الماضي.
هل هناك أي بديل غير المذهب المطلق؟
هناك بعض المفكرين الأخلاقيين اللذين يبدون استعدادهم لقبول هذه النتائج الفوضوية التي تترتب على النسبية الأخلاقية الكاملة. ومع ذلك فإن أشد دعاة هذا الرأي تحمسا كانوا هم في العادة علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، الذين تقتصر مهمتهم على ملاحظة أنماط السلوك وتصنيفها. ولقد حاول مفكرون آخرون أن يهتدوا إلى طريق وسط بين الطرفين النسبي والمطلق. وقد تحقق لهم ذلك أحيانا عن طريق إنكار وجود أي أساس كوني «للخير». وفي هذه الحالة تفصل الأخلاق عن الميتافيزيقا، ويكون علينا أن نقتصر على نوع إنساني بحت من النظرية الأخلاقية . وهناك طريقة ثانية لحل هذه المشكلة، وهي طريقة قد تكون أفضل من الأولى، هي الفصل بين المذهب المطلق وبين الشمول. ويتم ذلك عن طريق إيجاد أساس نفسي أو بيولوجي للأخلاق: فنحاول وضع قانون يكون شاملا للناس جميعا، على أساس أن لهم، بحكم انتمائهم إلى نوع واحد، طبيعة بيولوجية مشتركة (وكذلك طبيعة نفسية مشتركة إلى حد بعيد). ولا بد لوجهة النظر هذه أن تذهب إلى أن أوجه الشبه بين الناس أهم بكثير من أوجه الاختلاف بينهم. وبذلك تكون هناك بين الأفريقي غير المتمدين وبين الأوروبي أو الأمريكي الحديث، عناصر مشتركة من الرغبات والميول ودوافع الإرضاء الممكنة تسمح لنا بوصف حياة «خيرة» تسري على البشر أجمعين. وما إن نحدد هذه الحاجات المشتركة وهذا الصالح العام، حتى يمكن - بل يجب - أن تندرج في هذا الإطار كل تقويمات «الخير» أو «الشر»، بحيث يكون الشيء أو الموقف «خيرا» إذا كان يشبع حاجة من تلك الحاجات البشرية الشاملة، ويكون السلوك «صوابا» إذا كان يحقق الصالح المشترك الذي يسري على الناس جميعا بحكم اشتراكهم في صفة الإنسانية. (7) تصنيف القيم
بذلت محاولات متعددة، مستقلة بدرجات متفاوتة عن هذه المشكلة الأساسية المتعلقة بمكانة الخير، لتصنيف القيم بالنسبة إلى معايير أو نقاط ارتكاز متباينة. وكانت هذه التصنيفات عادة تتخذ شكل سلسلة من الأزواج المتقابلة، كالقيم الكامنة
Intrinsic
في مقابل الوسيلية
Instrumental
والقيم العليا في مقابل الدنيا، والثابتة في مقابل المتغيرة ... إلخ. ومع ذلك فليست لكل هذه الأزواج من القيم أهمية متساوية؛ ولذا سنقتصر على الكلام عن تلك التي يشيع النظر إليها على أنها أساسية. (1)
القيم الكامنة والقيم الوسيلية : ينعقد الإجماع على أن التقابل الأساسي في أي تصنيف للقيم هو التقابل بين القيم الكامنة والقيم الوسيلية. وقد أتيحت لنا من قبل فرصة الإشارة إلى هذا التقسيم في فصول سابقة. ويمكن القول باختصار أن القيمة الكامنة هي تلك التي لا تخدم غاية معينة؛ أي تلك التي لا تستمد دلالتها من كونها وسيلة لغاية معينة أخرى. فهي خير في ذاتها وبذاتها ولذاتها، دون إشارة إلى قيمة أخرى أشمل منها. وربما كان أفضل مثل للخير الكامن هو «السعادة». فمن الواضح أننا لا ننشد السعادة من أجل أي شيء غير السعادة؛ أي إننا لا نطلب السعادة من أجل الحصول على شيء غيرها. فهي ليست وسيلة لأي شيء خارج عنها، وإنما تكون لها قيمتها دون إشارة إلى أي شيء غيرها.
وفي مقابل هذه القيمة الكامنة توجد معظم الأمور التي نسميها عادة «خيرا». وأن التحليل ليبين أن معظم الأشياء التي ننشدها، أو المواقف التي نسعى إلى تحقيقها، لا تكون لها قيمة عندنا إلا من حيث هي وسيلة لبلوغ شيء له قيمة كامنة أو باطنة. وأوضح مثل لهذا الخير «الوسيلي» هو المال. فمن الواضح أن المال لا تكون له قيمة إلا من حيث هو وسيلة لكثير من الأمور المرغوب فيها في الحياة. ولا يمكن أن يعده أحد، فيما عدا البخيل، خيرا في ذاته، أو شيئا يكتسب ويكدس دون نظر إلى الحاجة التي يلبيها أو الرضا الذي يمكنه أن يجلبه.
Page inconnue