La philosophie, ses types et ses problèmes
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Genres
بمعناها الدقيق، هي أية نظرة إلى العالم ترى أنه لا يوجد مبدأ أو كيان نهائي واحد أو اثنان، وإنما توجد كثرة منها. ولنقل، بمزيد من الدقة، إنها أية نظرة تحدد عدد العناصر الميتافيزيقية التي لا ترد إلى غيرها بأنه أكثر من اثنين. وهكذا فإن رأيا مثل رأي الفيلسوف اليوناني أنبادقليس، بما فيه من جواهر أولية أربعة (هي: التراب، والهواء، والنار، والماء) لن يكون أقل تعددية من أي مذهب يفترض عددا لا متناهيا من الجواهر.
وليس من الضروري، لكي يكون لدينا مذهب تعددي، أن تكون الكيانات النهائية الكثيرة منفصلة كيفيا. فالمذهب الذري الروحي، ومن ذلك النوع الذي قال به ليبنتس، والذي يكون فيه الوعي الإدراكي هو العنصر المشترك بين ذرات لا نهاية لها في العدد، يمكن أن يعد مذهبا تعدديا كميا؛ إذ إن كل الكيانات متشابهة في طبيعتها، وإن تكن متميزة بعضها عن بعض، ولا نهائية في العدد . أما مذهب أنبادقليس، بما فيه من عناصر أربعة تكون باتحادها موضوعات تجربتنا التي لا حصر لها، فإنه يمثل مذهبا تعدديا كميا وكيفيا في آن واحد. وهناك فيلسوف يوناني آخر، هو أنكساجوراس، كان يعتقد أن هناك من العناصر بقدر ما تستطيع حواسنا التمييز بينها، كالحمرة، والبرودة، والخشونة ... إلخ. وباختصار فإن لفظ التعددية يتضمن القول بكثرة من الكيانات النهائية، التي قد تكون متعددة كيفا وقد لا تكون.
إن من الصعب تعريف الطلاب المبتدئين بالمذهب التعددي، وذلك لسببين، أولهما أن هناك أنواعا كثيرة من التعددية، وثانيهما أن هذه الأنواع الكثيرة لم يكن بينها في بعض الأحيان أي عنصر مشترك سوى رفضها للواحدية والثنائية؛ لهذا السبب كان أفضل ما يمكن عمله هو اختيار عدد قليل من المذاهب التي تتمثل فيها خصائص التعددية أوضح ما تكون، والتي كانت أقواها تأثيرا، وبحث هذه المذاهب بإيجاز. وسوف نجد عند دراستنا لهذه المذاهب أن لدينا (على حد تعبير مصدر موثوق به)، «نظريات متعددة تجد ضالتها الفلسفية المنشودة في الكثرة والتنوع، لا في أي وحدة قابلة للمعرفة أو غير قابلة للمعرفة».
2
ولقد بدأنا هذا الفصل بأن وصفنا الثنائية بأنها هي المذهب الذي يعبر عن رأي الموقف الطبيعي، والواحدية بأنها نوع من المثل الأعلى لدى الفيلسوف. فقد كان الفلاسفة في عمومهم عاشقين للوحدة أو الواحدية؛ ومن ثم فإن الكثيرين منهم قد نظروا إلى أي شيء غير الواحدية على أنه إما أسلوب قصد منهم التيسير منهجيا (كما هي الحال عند ديكارت)، وأما أفضل موقف لأولئك الذين لا يمكنهم الوصول إلى الأفضل، وهو تحقيق نوع من الواحدية. وبطبيعة الحال لم يكن كل الثنائيين على استعداد لقبول هذا الموقف المتسلط للواحديين تجاه المذاهب الثنائية، بل إن أغلب الظن أن معظمهم كانوا على استعداد للاعتراف بأن الواحدية هدف مرغوب فيه عقليا إذا كان من الممكن تحقيقها. وهكذا يمكن النظر إلى الواحدية على أنها هي المعيار الأنطولوجي، وإلى كل من الثنائية والتعددية على أنها هي المعيار. ومن المؤكد أن التعددية كانت تعد في العادة انحرافا عن هذا المعيار أكبر من انحراف الثنائية؛ إذ إن الواحديين والثنائيين مهما اختلفوا فيما يبنهم، كانوا يتمكنون دائما من تكوين جبهة واحدة ضد التعددية، بل إن كليهما قد أعلن في كثير من الأحيان شكه في إمكان النظر إلى التعددية على أنها موقف ميتافيزيقي مشروع. وقد رأى البعض أحيانا أن التعددية تشكل خيانة للفلسفة، أو هي على الأقل تخل عن البحث الميتافيزيقي. فإذا كانت الثنائية هي أفضل موقف يلي الموقف الأصلي المفضل، فإن التعددية هي (في نظر كل خصومها) مذهب اليأس والاستسلام؛ ذلك لأنها تبدو لخصومها مذهبا لا يبذل أي جهد لتحقيق التكامل في تجربتنا، أو للنفاذ من وراء المظهر التعددي المعترف به للأشياء، من أجل الاهتداء إلى الوحدة الكامنة فيها - أو على الأقل الثنائية الكامنة فيها. ولكن لتستمع إلى ما يقوله التعددي ذاته.
التعددية اليونانية القديمة : كان أول مذهب تعددي في الفلسفة الغربية هو مذهب أنبادقليس (القرن الخامس ق.م.) الذي أشرنا إليه من قبل. أما قبل هذا المذهب فكانت الفلسفة اليونانية واحدية؛ إذ حاول كل مفكر أن يفسر العالم من خلال «مادة» واحدة كامنة وراء التغيرات الظاهرية، كالرطوبة، أو الهواء، أو النار ... إلخ. ولكن أنبادقليس اتخذ الخطوة التعددية الحاسمة، فتخلى عن الواحدية بوصفها مثلا أعلى، وافترض ذلك الرباع الذي اشتهر في علم العصور الوسطى: التراب، والهواء، والنار، والماء. هذه العناصر الأربعة، التي تتحكم في تنشيطها قوتا الحرب والكراهية (اللتان يمكننا تقديم ترجمة حديثة أفضل لهما، هي «الجذب» و«التنافر»)، هي مكونات كل ما يوجد، وضمنه العقل البشري أو النفس. وعلى ذلك فليس الكون والفساد إلا تغيرا في التركيب: «لا يمكن أن يفنى شيء ظهر إلى الوجود، أو ينتهي في غياهب الموت، بل كل ما هناك امتزاج، وانفصال لما امتزج». وهكذا فإن هذا المذهب التعددي الأول، مع كونه بسيطا، كان كاملا، وكان في إطاره الساذج، وحدوده الضيقة جدا، نظرة تعددية إلى العالم بحق.
وهناك مفكر يوناني آخر ذكرناه من قبل، كان قريب العهد من أنبادقليس، هو أنكساجوراس. هذا المفكر كان يرى أن مثل هذا الرباع البسيط من العناصر لا يكفي لتفسير التنوع الهائل من الانطباعات الحسية. وهناك عبارة تصف عمل هذين الفيلسوفين بدقة، تقول إنه بينما أنبادقليس قد مزق العالم الواحدي الذي صوره المفكرون الأوائل، فإن أنكساجوراس قد سحقه. فقد افترض أنكساجوراس عددا من الجواهر أو العناصر النهائية يماثل ما يوجد من كيفيات حسية، كالحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف والصلابة والليونة. وفضلا عن ذلك، فقد نظر إلى هذه العناصر على أنها كلها موجودة في الأشياء جميعا، ولكن بدرجات متفاوتة. فهي منتشرة في كل مكان، بحيث لا يكون هناك جزئ من المادية ذو طابع بسيط أو نقي. ومع ذلك فلكل ماهيته، أو صفته الغالبة التي تفيد في تمييزه. ومن هذه الصفة نستمد طبيعة المادة واسمها - كما يحدث مثلا عندما نصف الثلج بأنه «أبيض»، مع أنه ليس في الواقع بياضا خالصا. (4) التعددية الحديثة
قدمنا من قبل عرضا عاما للمذهبين التعدديين عند ليبنتس وباركلي؛ ولذا فلن يكون من الضروري تقديم مزيد من الوصف لهذين المذهبين. ومع ذلك ينبغي أن يكون مفهوما أن كلا منهما كانت له أهمية عظمى في تاريخ الفكر التعددي. فقد كانت ليبنتس يمثل أعلى قمة بلغتها المدرسة التعددية في الفلسفة الحديثة قبل ظهور التعدديين في القرن العشرين. وبعد موت باركلي في أواسط القرن الثامن عشر، اضطرت التعددية إلى التواري عن الأنظار نتيجة لظهور ذلك التيار الواحدي الجارف الذي اشتهرت به المثالية الألمانية. أما إحياء التعددية من جديد في الآونة الأخيرة فيرجع الفضل الأكبر فيه إلى الفيلسوف البرجماتي الأمريكي المشهور، وليام جيمس.
كان الخصم الفلسفي لوليام جيمس هو المثالية المطلقة لدى الهيجليين، بنظرتها الكلية أو الفردانية إلى الكون. قد رأى جيمس أن أي مذهب يحاول تحقيق هذه الوحدة الفردانية لا يمكنه أن يقدر ثراء الحياة البشرية وتنوعها حق قدره. أي إنه كان، بالاختصار، يرتكز في استدلاله على أساس من تجربتنا المباشرة ، في مقابل نزعة التجديد المنطقي التي تتبدى في فكرة «المطلق» عند هيجل. وكان جيمس يعتقد أن درجة التجريد اللازمة للوصول إلى هذا المركب المطلق، والتي تنطوي على خطوات منطقية متعددة تتوسط بين التجربة العينية و«الذهن المطلق»، لا يمكن أن تؤدي إلى نظرة فارغة تماما إلى الواقع؛ أي إلى «ليل تكون فيه كل الأبقار سوداء».
3
Page inconnue