La philosophie allemande : une très brève introduction
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
هوامش
الفصل الثاني
المنحى اللغوي
البعد المفقود
يقدم كانط رؤية فلسفية غاية في الجدة والعمق، حتى إنه من المذهل إدراك أنه يتجاهل إلى حد كبير أحد الهموم الكبرى للفلسفة الحديثة. ففي عام 1812، لاحظ كارل ليونارد راينهولد (1757-1823) الذي كان مسئولا عن تزايد الاهتمام في البداية بفلسفة كانط الذي أدى إلى المثالية الألمانية (انظر الفصل الثالث)؛ أن «علاقة التفكير بالكلام، وأسلوب التوظيف اللغوي في التفلسف لم يخضعا مطلقا للتدقيق والصياغة» لدى كانط والمثالية الألمانية. لكن حتى قبل أن يكتب كانط أهم نصوصه وجد فلاسفة في ألمانيا كانت اللغة بالنسبة لهم أمرا فاصلا. فما الذي جعل هؤلاء المفكرين يركزون على اللغة بينما يبدو أن آخرين لم يعتبروا اللغة أمرا حاسما على الإطلاق؟
رأى كانط أن نظام العالم الذي يمكن معرفته يعتمد على النشاط المعرفي للذات، والتفسيرات المتضاربة لذلك النشاط تزداد تعقيدا حالما تؤخذ في الاعتبار علاقة اللغة بالذات. فعلى الرغم من أن الذوات تستخدم اللغة فهي لا تخترعها، وبمعنى لا يزال محل نزاع فإنها تحتاج إلى اللغة؛ لكي تصبح ذواتا على أية حال. فما هو أصل اللغة؟ لقد افترض بوجه عام أن أصل اللغة - مثل نظام العالم - إلهي، وهذا الافتراض ربط فكرة اللغة كجزء من خلق الإله بإمكانية فهم العالم؛ إذ تشير اللفظة اليونانية
logos
إلى كل من «الكلمة» بمعنى الكلام، وإلى النظام العقلاني للأشياء. وأما بداية الحداثة في الفلسفة، فيمكن تمييزها من خلال التزامن القريب للأسئلة الفلسفية الجديدة لدى هيوم وكانط مع التشكيك بالأصل الإلهي للغة. فالأول يقود إلى فكرة الذات كمركز للفلسفة، والآخر يكشف في المقابل عن اعتماد الذات على شيء لم تنشئه، وتصبح اللغة هي «الآخر» الذي يستمر أصله حتى اليوم في طرح مشكلات مهمة. (فكر في الخلافات المتعلقة بمدى إمكانية تفسير اللغة بطريقة ملائمة من حيث الجينات.) تتسم الفلسفة الألمانية بصراعات بين مناهج وضعت الذات في مركز الفلسفة، ومناهج تشير إلى أن الذات تعتمد على شيء مغاير لذاتها، وتشير فكرة هذا الاعتماد إلى سبب تطور فكرة «اللاوعي» في هذا الوقت، والقضايا النظرية هنا هي مجددا إشارات لتغيرات تاريخية. ومزجت فكرة «الأيديولوجيا» بين قضايا اللغة وقضايا اللاوعي؛ فقد ظهرت أثناء الثورة الفرنسية، وكانت في البداية تعني فقط منظومة من الأفكار، ولكن سرعان ما تطورت «الأيديولوجيا»، من خلال ماركس على وجه التحديد، إلى مصطلح يستخدم لتمييز اعتقاد الناس في أن أفعالهم تحددها الإرادة الحرة، عندما يعتمدون في الحقيقة دون وعي على الطرق السائدة للتحدث والعمل في طبقتهم الاجتماعية.
يعد ظهور فرع «الأنثروبولوجيا» في النصف الثاني من القرن الثامن عشر إشارة أخرى لما هو موضع نقاش هنا؛ فجزء مما أدى إلى نشأة الأنثروبولوجيا هو الوعي بأن اللغة الطبيعية لشعب ليست مجرد وسيلة لقول الأشياء نفسها التي يمكن قولها بلغة أخرى، فلغة الشعب هي أيضا نتاج مواجهاته الخاصة مع العالم. ويؤدي فهم هذه المواجهات إلى وعي جديد بحجم الاختلاف الذي ربما يكون عليه العالم بالنسبة لثقافات أخرى. ويستدل على أهمية هذا الأمر بالحالات التي يمكن فيها أن تصبح لغة أقلية عرقية أمرا فاصلا بالنسبة لهويتها، ولكن هذا النوع من الهوية يمكن أن يكون في الغالب ذا حدين؛ فما يربط بعض الناس ببعض يمكن أن يكون هو نفسه ما يفصلهم عن آخرين عندما يصبح من ليسوا أعضاء في مجتمع لغوي «الآخر» الغريب. وتتعلق أسئلة الهوية اللغوية أيضا بظهور القومية، التي هي مصدر لكثير من إراقة الدماء في التاريخ الحديث، ولعله لهذا السبب ينظر إلى يوهان جوتفريد هيردر (1744-1803) أحيانا بارتياب - غير مبرر - إلى حد كبير؛ بسبب تركيزه على دور اللغة في تشكيل الهوية.
التمثيل والتعبير
Page inconnue