La philosophie allemande : une très brève introduction
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
يسعى كانط إلى إيجاد حل للصدام بين العقلانية والتجريبية عن طريق إعادة التفكير في العلاقة بين الحتمية الرياضية والإدراكات المحتملة. ومع ذلك، لا ينصب اهتمامه فقط على نظرية المعرفة؛ فأول أعماله الكبرى «نقد العقل المحض» (1781، الطبعة الثانية 1787) يجعل الحرية شيئا محوريا، الأمر الذي سيوضحه بالتفصيل بعد ذلك في «النقد الثاني»؛ أعني: «نقد العقل العملي» (1788) (وفي كتابه «أساس ميتافيزيقا الأخلاق» (1785)). وفي عام 1790، نشر كانط «النقد الثالث» له؛ ألا وهو «نقد الحكم» (1790)، الذي يعالج قضية علم الغائية (فكرة وجود تخطيط أو قصد في الطبيعة) والجمال الطبيعي والفني.
كيف إذن تتصل القضايا المختلفة التي يتصدى لها كانط بعضها ببعض؟ يميل العلم الحديث إلى التحول لمحمية من فروع معرفية آخذة في التخصص، ومن توابع هذا الأمر أن تحليل الطبيعة إلى مكونات معينة يمكن أن يحدث شعورا بالتفكك. وقد افترضت الفلسفة وعلم اللاهوت في السابق وحدة ضمنية في تنوع الظواهر الطبيعية، وقد حول هيوم مصدر هذه الوحدة إلى مسألة فلسفية كبرى؛ ومن ثم يحاول كانط تأسيس أشكال جديدة من الوحدة لتحل محل تلك الأشكال التي لم يعد بقاؤها ممكنا. ومع ذلك، فهو لم يكن مهتما فقط بالمعرفة العلمية، بل أيضا بالأساس الأخلاقي للمجتمع وبالعلاقات مع الطبيعة التي لا يمكن للقوانين العلمية تفسيرها. ويمكن النظر إلى الانتقادات الثلاثة على أنها تعبيرات عن الطريقة التي تصير بها مجالات العلم والقانون والأخلاق والفن أكثر انفصالا عن بعضها البعض في الحقبة الحديثة، مع أن علاقاتها ببعض قد أصبحت أحد الاهتمامات الحيوية.
المثالية المتعالية
كانت «المثالية» في زمن كانط مرتبطة بفكرة الأسقف بيركلي عن أن «الوجود إدراك»: إذا لم يدرك الشيء فكيف لنا أن نؤكد أنه موجود من الأساس؟ لكن كانط يصر على أن مثاليته «المتعالية» هي في الواقع نوع من «الواقعية»؛ لأنها تفترض أن الأشياء توجد بصرف النظر عن إدراكنا لها، ولذلك ربما يبدو معنيا بمواقف متناقضة أو متعارضة. وهذا الانطباع تعززه حقيقة أن غاية المثالية المتعالية هي إعطاء أساس «للموضوعية» بلغة «الذاتية»، فالحتميات الموضوعية لقوانين الطبيعة تعتمد على «شروط إمكان» ذاتية للمعرفة، هذه الشروط هي ما يعنيه الجانب «المتعالي» من نظرية المعرفة الخاصة به. فالشروط ذاتية؛ لأنها نتاج تفكيرنا، لكنها يجب أن تنطوي على الحتمية، لا أن تكون اعتباطية على غرار الآراء الذاتية. ومن ثم، يريد كانط أن يشرح كيف تعتمد المعرفة على أثر العالم علينا وعلى الطرق التي ينظم بها العقل ذلك الأثر، مستشهدا في ذلك بقوانين الحركة لنيوتن.
إن المشكلة الأساسية أن ما ينتمي إلى الجانب الذاتي وما ينتمي إلى الجانب الموضوعي للمعرفة كان إحدى القضايا الأكثر جدلا في الفلسفة الحديثة، ولا يزال كذلك. فبعض الفلاسفة هذه الأيام يظنون، على سبيل المثال، أن العقل هو جهاز يشغل البرنامج اللازم للتفكير، حتى إنه يمكن أيضا إنشاء مثيل للبرنامج بواسطة آليات الكمبيوتر؛ وبذلك يمكن للجانب الذاتي للمعرفة أن يفسر بطريقة سببية. وعلى الجانب الآخر، يوحي «القصد» - الذي يعني أن التفكير يكون «في» أشياء بعينها - بأن الشيء الذي يدرك عالما من الموضوعات لا يمكن أن يكون هو نفسه موضوعا كالموضوعات التي يدركها، وهذا أمر فاصل بالنسبة لكانط. فالجانب القصدي يسمح لنا بإنتاج أحكام مختلفة عن شيء ما، الأمر الذي قد «ينظر إليه باعتباره» عددا ربما لا نهائيا من الأشياء. ومهما تكن حقيقة الحجج الفلسفية هنا، فإن المواقف المتخذة فيما يتعلق بها تؤثر على طريقة تفكير البشر في أنفسهم.
فلماذا إذن سيق كانط إلى مذهب المثالية المتعالية من الأساس؟ السبب مضمن في قولته المأثورة: إن «الأفكار دون مضمون فارغة، والأحداس دون تصورات عمياء»، فالأولى هي الأفكار («الدوجماتية») كتلك المتعلقة بطبيعة الإله القائمة على مجرد تصورات استخدمت للحديث عن الإله مثل «الوجود الحتمي» و«الكمال» وما إلى ذلك. «والأحداس» - وهي بالألمانية
Anschauungen
المشتقة من
anschauen
بمعنى «ينظر إلى» - هي مادة إدراكاتنا التي يمكن استخدامها كدليل تسويغي. ودون طرق لتنظيم الدليل عن طريق التعريف به بلغة التصورات سيواجه المرء تفاصيل فوضوية لا نهائية؛ فما ندركه يختلف دوما من لحظة إلى لحظة في جانب ما مهما يكن ضئيلا، ولا يوجد موضوعان متطابقان على نحو قاطع. وعلى الرغم من أن كانط يريد الاحتفاظ بما يقترحه منفصلا عن علم النفس، فإن الأبحاث النفسية في الإدراك تثبت أن ما نراه يتشكل من خلال تراكيب تصورية نمتلكها بالفعل. وعلى الرغم من المشكلات المتعلقة بالعلاقة بين معطيات الإدراك وتفكيرنا، فإن كانط لا يشك في أن المعرفة العلمية ممكنة؛ ولذا فالمهمة هي الوقوف على ما يجعلها ممكنة. إن التماثل ليس بالأمر الوارد في عالم المعطيات الإدراكية، الذي لا يمكن أبدا إظهاره على أنه متطابق تماما ويقع في أماكن وأوقات محددة؛ ومن ثم فالمثالية المتعالية تزعم أنه يجب أن توجد قواعد عقلية لإدراك العالم، بحيث يتعين أن تسير الموضوعات وفقا لطرق تفكيرنا لا العكس. وقد رأى كانط هذا التغير في المنظور باعتباره «تحولا كوبرنيكيا»؛ مماثلا لما فعله كوبرنيكوس عندما قلب علم الكونيات البطلمي رأسا على عقب وقال: إن الأرض ليست مركز الكون.
Page inconnue