La philosophie allemande : une très brève introduction
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
في الحداثة، من الصعب أن تصمد فكرة الانتماء إلى كل ذي معنى، ويعني التمدن أن الاتصال المباشر بالطبيعة يميل إلى الانحسار بالنسبة إلى شرائح كبيرة من السكان. ويتزايد أيضا خضوع الطبيعة لآثار تحليل العلم لعناصرها، وهذا الخضوع يعطي أولوية لموضعة المناهج على الطرق الأخرى لفهم العالم. والنتيجة يمكن أن تكون كبتا لجوانب معينة من ذواتنا، مثل الحاجة إلى التعامل مع العالم على أنه ذو مغزى في جوهره؛ وسيسمي عالم الاجتماع ماكس فيبر فيما بعد هذا النهج في تفريغ المعنى من الطبيعة ب «التحرر من أوهام» العالم. لكن - كما يتضح الآن من الأزمة البيئية - توجد على الأرجح حدود لقدرة البشر على إخضاع الطبيعة، ويبدي شيلينج بالفعل ملاحظات نقدية عن الآثار المدمرة لاعتبار البيئة مجرد موضوع للأهداف البشرية في نهاية القرن الثامن عشر. وبالمثل، يطالب بيان رسمي موجز - غالبا ما يشار إليه ب «البرنامج الأقدم لنظام المثالية الألمانية» عام 1796 (مؤلفه شيلينج أو هيجل أو صديقهما الشاعر فريدريش هولدرلين 1770-1843) - ب «ميثولوجيا العقل»، وسيعمل هذا على مواءمة رؤية العالم العلمية الجديدة مع الأشكال الرمزية الموظفة في حياة الناس اليومية. فما يخبرنا به العلم الحديث يجب أن تصاحبه قرارات بشأن ما ينبغي فعله عن طريق إيجاد طرق لإيصال وتقييم المعرفة تشرك التخيل الجمالي والأخلاقي لجميع مستويات المجتمع، على النحو الذي قد انتهجه علم الأساطير في المجتمعات التقليدية. وعلى الرغم من أنه سينظر إلى هذه الرؤية على أنها متعذرة التحقيق، فإن التناقضات التي أحدثتها لا تزال ظاهرة في إخفاق القدرة التكنولوجية المتزايدة للجنس البشري على إيجاد عالم أكثر عدلا وإنسانية.
تحاول أيضا المثالية الألمانية حل التناقضات التي تنشأ عن تآكل النظام الذي تمثله فكرة أن سلطة الملك مستمدة من الإله، فضرب عنق الملك في كل من الثورتين الإنجليزية والفرنسية يلخص تغيرات وقعت في طبيعة الشرعية المميزة للحداثة؛ إذ يجب أن يؤسس النظام الآن بحرية بمعرفة البشر، من دون احتكامات إلى سلطة أعلى. ولكن المصالح البشرية متشعبة بطبيعتها، ولا سيما عندما يزداد الحراك الاجتماعي كنتاج لظهور الرأسمالية، فكيف إذن يمكن شرعنة السلطة بوجه عام؟ فالثورة الفرنسية تمارس الإرهاب باسم العقل، وتشي الطرق التي يمكن بها للمبادئ العالمية أن تؤدي إلى اللاإنسانية بالحاجة إلى مناهج جديدة لتصالح الفرد والمجتمع. وتتضح الصعوبات التي ينطوي عليها هذا التصالح في حقيقة أن عمل هيجل على هذه القضية في «فلسفة الحق» (1820) قد قرئ على أنه أول دفاع شمولي عن سلطة الدولة التي تعلو على الفرد. ومع ذلك، فالأمور ليست بهذه السهولة، وكما يرى هيجل فدون نظام اجتماعي يحكمه القانون لن تكون للفرد حقوق من الأساس؛ فالحقوق تعتمد على الإقرار بأن القانون يطبق على النفس وعلى الآخرين. ويأتي فهم اعتماد المصطلحات المتعارضة على بعضها - كالحال بين «الإرادة العامة» للدولة وإرادة الفرد - في صميم الفكر المثالي الألماني الذي يسعى إلى التغلب على التناقضات الاجتماعية والفلسفية التي نشأت من نهاية النظام الإقطاعي.
مصادر المثالية الألمانية
إن المثالية الألمانية ليست مشابهة لمثالية بيركلي التي فيها «الوجود إدراك». ومع ذلك، فإن أحد مصادرها هو التساؤل عما إن كان كانط - على الرغم منه - مثاليا بركليانيا. يرفض كانط المثالية؛ إذ إنه على الرغم من أننا نعرف الأشياء من خلال الطريقة التي ندركها بها، فإنها لا تزال موجودة «في ذواتها»، فكيف مع ذلك ترتبط المظاهر بالأشياء في ذواتها؟ في عام 1789 شكك فريدريش هاينريش جاكوبي (1743-1819) في دعوى كانط أن الأشياء في ذواتها تسبب المظاهر. فبالنسبة لكانط، يربط السبب مظهرا بآخر يخلفه بالضرورة، والأشياء في ذواتها لا تظهر؛ ولذا لا يمكن - حسب كانط نفسه - أن يقال عنها إنها تسبب المظاهر. وهذا على ما يبدو يطرح الاختيار بين بديلين: إما التخلص من الأشياء في ذواتها بالكلية عن طريق تبني مثالية شاملة، وإما التخلي عن المثالية المتعالية، مع خطر العودة إلى الميتافيزيقا «الدوجماتية» التي انتقدها كانط. ويشكل التغلب على ما هو محل نزاع في هذا البديل إحدى المهام الجوهرية للمثالية الألمانية.
توضح تساؤلات جاكوبي عن اتجاه الفلسفة في هذا الوقت السبب في أن اهتمامات المثاليين الألمان أكثر من كونها مجرد اهتمامات إبستمولوجية. وقد نشأ ما يسمى «جدل وحدة الوجود»، الذي بدأ عام 1783، حول دعوى جاكوبي عن أن كاتب حركة التنوير جي إي ليسينج قد أقر بكونه إسبينوزيا، وكان إسبينوزا قد حرم كنسيا من قبل الكنيسة اليهودية الهولندية بسبب الإلحاد عام 1656، وكان الإلحاد لا يزال غير مقبول للسلطات الحاكمة في ألمانيا في القرن الثامن عشر. وفي نهاية القرن، فقد فيشته عمله الأكاديمي نظرا لاعتباره ملحدا؛ فإله إسبينوزا ليس هو خالق العالم والمشرع له، بل مجموع الطبيعة المنظم: فالإله والطبيعة سواء. وفي نظام إسبينوزا، تعتمد ماهية الأشياء على عدم كونها أشياء أخرى، لا على شيء متأصل في ذواتها. وكل شيء «يقيد بشروط» الأشياء الأخرى، وهي بدورها تقيده. ويرى جاكوبي أن هذا يؤدي إلى تسلسل من «شروط الشروط»، لا يمكن تبرير أي تفسير فيه على نحو قاطع؛ ومن ثم فالمعرفة الأساسية تتطلب شيئا «غير مشروط». وبالنسبة لجاكوبي، هذا هو الإله الذي يجعل التفاصيل أجزاء ذات معنى لعالم نستثمر فيه معرفيا وأخلاقيا وعاطفيا، لا مجرد أجزاء من نظام ميكانيكي. ويتوقف تسلسل التفسيرات - في رأي جاكوبي - عن طريق إدراك أن «إيماننا/اعتقادنا» في الحقيقة لا يمكن تبريره بمصطلحات معرفية (والتي تؤدي إلى التسلسل الموصوف توا)؛ ولذا يتوجب عليه اللجوء إلى علم اللاهوت. ولكن إذا كان غير المشروط سيكون بمنزلة تفسير فلسفي (أي تفسير لا يرى الإله على أنه تفسير لعالم الشروط)، فالمرء ينتهي إلى موقف متناقض من «تحتم اكتشاف شروط لغير المشروط»؛ لأن التفسير هو بدقة إيجاد شروط الشيء.
ولذلك، فالمثالية الألمانية تحاول إيجاد طرق جديدة لتفسير «غير المشروط» أو «المطلق»؛ ففي العلم الحديث، تفسر الأشياء عن طريق طلب شروط للشروط. وفي اعتقاد جاكوبي أن هذا يعني أنه لا توجد شرعية نهائية للعلم؛ فالمرء بإمكانه دوما أن يسعى وراء تفسيرات سببية، لكن لا يمكن أن يوجد سبب نهائي لفعل هذا. علاوة على ذلك، فالعلم لا يمكنه أن يؤدي وظيفته إلا في عالم قد كشف نفسه بالفعل على أنه مستساغ ومفهوم «قبل» أن نطلب أوصافا علمية له. (وهذه النقطة ستشكل لاحقا جوهر فكر هايدجر.) ويعتبر جاكوبي ما ينشأ عن مذهب إسبينوزا «عدمية»؛ لأنه لا يقدم وصفا للكيفية التي يكون بها الوجود قابلا للفهم من الأساس، فيجب أن يوضع سبب الانخراط في النشاط العلمي في نطاق الفعل البشري. لكن المشكلة هي كيف يمكن شرعنة الفعل، وهذه هي المشكلة التي سيكون حلها هو فهم «المطلق».
ومن ثم، يمكن فهم المثالية الألمانية على أنها استكشاف لفكرة أن الذاتية «غير مشروطة». وفي محاولاته خلال الفترة ما بين 1789 و1790 تقريبا لجعل كانط أكثر إقناعا لجمهور أعرض من الناس، أصر كارل ليونهارد راينهولد على أن الفكر في حاجة لأساس إذا كان يتعين تجنب تسلسل من النوع الذي وصفه جاكوبي، ورأى أن «حقيقة الوعي» لم تكن نفسها مشروطة؛ لأنها أساسا هي ما يمكننا من أن نكون مدركين للشروط. وأكد ميمون على أن تمييز كانط بين القابل والتلقائي تتعذر استمراريته، فوجود العالم الموضوعي مستنبط من السببية المفترضة للأشياء في ذواتها؛ لكن مقولة السببية تعتمد على الذات وليس على الموضوع، وما هو مسبب هو إدراكات «الذات». وعليه، فإن علاقة الذات-الموضوع تستلزم فقط نوعين من الوعي: لاوعيا ذاتيا وعالما موضوعيا منفصلا، ويظهر العالم موضوعيا؛ لأن ما ينتج إدراكات «العالم الخارجي» هو الجانب «اللاواعي» من الذات. إن فكرة هامان أن القابل والتلقائي لا يمكن أن يكونا منفصلين بالكلية فكرة فاصلة بالنسبة إلى المثالية الألمانية. وإذا كانت القابلية السلبية والتلقائية الفاعلة في الظاهر درجتين مختلفتين في الحقيقة لنفس «الفاعلية»، فإن الفجوة بين الذات والعالم يمكن سدها، وعندئذ سينظر إلى الوعي على أنه وعي «بالعالم» بمعنيين: فهو ينتمي إلى العالم كشيء ينبثق من الطبيعة، كما أنه يجعل العالم موضوع المعرفة والفعل. والسؤال هو: كيف يفسر هذان المعنيان؟
فيشته
إن الفرض المحوري لفيشته هو أن فاعلية الإرادة الحرة للذات هي جوهر الفلسفة، فيمكن للذات فهم العالم بطريقة موضوعية، لكن لا يمكن أن تكون هي نفسها موضوعا. وبالنسبة لفيشته، فإن الذات حرة الإرادة يجب ألا تقيد بأي شيء خارج عنها؛ فلو كانت قابلة للتفسير من خلال ما يقيدها لكانت مجرد موضوع تحدده القوانين الطبيعية. ويمكن تصور الذوات البشرية مجرد روبوتات شديدة التعقيد، ومع ذلك - بالنسبة إلى فيشته - فقدرة الذوات على «التأمل» هي التي تؤكد على أن هذا لا يمكن أن يكون واقع الأمر؛ فما يمكننا من التأمل في معرفتنا وفعلنا ليس أية علة من النوع الذي نقابله في الطبيعة، بل حريتنا. ومن ثم، تنطوي «الأنا» التي يمكنها التأمل على شيء «مطلق»، غير مقيد بأي شيء خارج ذاته. وفي التأمل، يظهر الذاتي جزءا من «نفسه» في شيء موضوعي، لكنه لا يفعل ذلك مدفوعا بشيء موضوعي. والموقف الذي يقرر فيه المرء أن يكون ناقدا لنفسه يمكن أن يوحي بالمراد هنا، فالمرء بفعله ذلك «يردع » نفسه من أجل إعلاء قيمة الدلالة الموضوعية لما يتحتم عليه فعله، وبعبارة فيشته، فإنه ينظر إلى العملية الأساسية على أنها «الأنا المطلق» الذي لا ينطوي على شيء يعتمد على شيء غيره، مقسما نفسه ومؤسسا بذلك العلاقة بين الذاتي والموضوعي، الأنا واللاأنا.
ولأن المرء يمكنه أن يرى الكون نفسه بطرق مماثلة - حيث يصبح الكون موضوعا منفصلا عن الذات عندما ينشأ الوعي - فليس من الواضح دوما كيف أعد فيشته تصوره؛ فقبل أن يوجد الوعي كان الكون موجودا «في ذاته»، ثم أصبح بعد ذلك موجودا «من أجل ذاته» - وهي مصطلحات سوف يستخدمها جان بول سارتر، على سبيل المثال، لاحقا فيما يتعلق بالذات الفردية. وتعني كلمة
Page inconnue