والمسعيّ إليه، لأنهما أهلكا دينهما بما فعلاه. والمسعى به لتعجّله العقوبة. فعمّ الضرر الثلاثة، ومما جاء في ذلك في التنزيل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ٤٩: ٦ [١] ومما جاء في الحديث: «من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يرفعن إلينا عورة [٢] أخيه المسلم» . رفع إنسان إلى يحيى بن خالد [٣] بن برمك قصّة يقول فيها: إنه قد مات رجل تاجر غريب، وقد خلّف جارية حسناء وولدا رضيعا، ومالا كثيرا، والوزير أحقّ بهذا. فكتب يحيى بن خالد على رأس القصّة: أما الرّجل فرحمه الله. وأما الجارية: فصانها الله، وأما الطّفل: فرعاه الله. وأما المال: فثمّره الله. وأما الساعي إلينا بذلك: فلعنه الله. قيل: لما تولى عبد العزيز بن مروان [٤] دمشق- ولم يكن في بني أمية ألبّ منه وكان حدث السنّ- طمع فيه أهل دمشق، وقالوا:
صبيّ لا علم له بالأمور، وسيسمع كلّ ما نقول له فقام إليه رجل وقال: أصلح الله الأمير. نصيحة!! فقال: ليت شعري ما هذه النصيحة، التي قد ابتدأتني بها من غير يد سبقت مني إليك؟ هات نصيحتك. قال: لي جار وهو عاص خالع للطاعة- وذكر له عيوبا- فقال له عبد العزيز: إنّك أيها الرجل ما اتّقيت الله تعالى، ولا أكرمت أميرك ولا حفظت جوارك! إن شئت نظرنا فيما تقول، فإن كنت صادقا لم ينفعك ذلك عندنا، وإن كنت كاذبا عاقبناك وإن استقلتنا أقلناك. فقال: بل أقلني أيها الأمير، قال: اذهب حيث شئت، لا صحبك الله، إنّي أراك شرّ رجل!.
_________
[١] سورة الحجرات، الآية/ ٦/.
[٢] العورة: هنا، ما يكره المرء الاطّلاع عليه من قبل غيره.
[٣] يحيى بن خالد بن برمك: أبو الفضل وجعفر، وقد كان مربّيا وكاتبا للرشيد ثم استوزره ومن بعده ولداه حتى كانت نكبة البرامكة المشهورة. مات سجينا في الرقّة سنة/ ١٩٠/ هـ.
[٤] عبد العزيز بن مروان: المعروف أنه ولي مصر لأبيه مروان بن الحكم الأموي واستمرّ إلى أن توفي عام/ ٨٥/ هـ وهو والد الخليفة عمر بن عبد العزيز.
1 / 68