زاد تواضعا ولينا، وكلّما بلغ من الملك غاية، رفع للكرم راية ابن إبراهيم أعزّ الله نصره، وأنفذ نهيه وأمره، الّذي أنسى ذكر الأجواد، ورزانة الأطواد وشجاعة الآساد:
للشّمس فيه وللرّياح وللسحاب ... وللبحار وللأسود شمائل
(كامل) الّذي هو في جبهة هذا الدهر غرّة، وفي قلادته درّة لا تدانيها في الدنيا درّة الّذي صدّق أخبار الماضين، وحقق ما نسخ من مآثر الأوّلين.
وقد قال ابن الرومي:
أظنّ بأنّ الدهر ما زال هكذا ... وأنّ حديث الجود ليس له أصل
وهب أنّه كان الكرام كما حكوا ... أما كان فيهم واحد وله نسل؟!
(طويل) فلو شاهد لصدّق ما سمع من أخبار أهل الكرم، ولما اختلجت بين جنبيه عوارض التّهم، الحاكم الّذي إذا سلّط ذهنه الشريف، وفكره اللطيف، على القضايا الديوانيّة، والأمور السلطانية ذلّت له الصعاب، ولانت له الصّم الصّلاب، وظهرت له الخفايا، وتعذّر أن يقال: في الزوايا خبايا.
أما قوّة العدل عنده فسليمة، قواعدها لديه قويمة، فلا تجزعنّك هيبته المرهوبة فإنّ وراءها رأفة بالضعيف، ورقة على الفقير، وجبرا للكسير.
وله من الصّفح الجميل عوائد ... أسر الطليق بها، وفكّ العاني [١]
(كامل) ولقد حضرت يوما مجلسه الرفيع وكان يوم غيث، وقد تقدم بصيانة الباب فلما كثر الغيث، قال للحجّاب: من حضر الباب وله حاجة فعرّفونا بها، ثم قال:
إن أحدا لا يحضر في مثل هذا الوقت إلّا لضرورة، ولا يجوز أن يردّ خائبا، فباللَّه هل يأتي في هذا الكتاب الّذي يريد أن يكون مشتملا على محاسن الآثار، إلا ما هو
_________
[١] العاني: الأسير المعنّى.
1 / 15