أنهم مختلفون أيضا في اللغة، فلغة اليمن كانت تخالف لغة الحجاز في أوضاعها وتصاريفها كما سنشير إليه بعد، وكانت لغة اليمن أكثر اتصالا باللغة الحبشية والأكادية، ولغة الحجاز أكثر اتصالا باللغة العبرية والنبطية. (الثالث):
أنهم مختلفون في درجة الثقافة العقلية تبعا لما هم عليه من عيشة بدوية أو حضرية، وتبعا لاختلافهم في اللغة والأمم المخالطة.
ولسنا نعني بما ذكرنا أن هذين القسمين كانا منفصلين تمام الانفصال، وأن كل قسم كان يسكن بلاده ولا يرحل عنها إلى الآخر، بل كان الأمر على عكس ذلك؛ فهم يحدثوننا أن كثيرا من أهل اليمن قبل الإسلام رحلوا إلى بلاد الحجاز، وقليل من أهل الحجاز رحلوا إلى اليمن؛ فأما رحلة اليمن إلى الحجاز فعللوها بانهيار سد مأرب في اليمن، وتفرق سكان البلاد إلى أنحاء الجزيرة، ويظن بعض المؤرخين أن من بين الأسباب التي بعثت على هذه الهجرة ما أصاب اليمن من السقوط والضعف في التجارة بين القرن الثالث والرابع قبل الميلاد، على إثر النشاط التجاري الذي قام به الرومانيون في البحر الأحمر في ذلك العهد، فكان ذلك ضربة شديدة لتجارة اليمن، وأما هجرة أهل الشمال إلى الجنوب فقد ترجع إلى كثرة نسل القبيلة وضيق موطنها بها فيضطرها ذلك إلى الرحلة.
على كل حال ذكر النسابون أن التنقل بين القبائل كان من قبل الإسلام كثير الوقوع وقد كان العداء مستحكما بين العدنانيين والقحطانيين من قديم، حتى رووا أن كلا منهم اتخذ لنفسه شعارا في الحرب يخالف شعار الآخر؛ فاتخذ المضريون العمائم الحمر والرايات الحمر، واتخذ أهل اليمن العمائم الصفر، قال الجوهري: سمعت بعض أهل العلم يفسر بذلك قول أبي تمام يصف الربيع:
محمرة مصفرة فكأنها
عصب تيمن في الوغى وتمضر
وأصل هذا العداء على ما يظهر هو ما بين البداوة والحضارة من نزاع طبيعي، وكان توالي الحوادث والوقائع الحربية يزيد في العداء ويقوي بينهم روح الشر؛ ومن أوضح المثل على هذا ما كان من العداء الشديد بين أهل المدينة - الأوس والخزرج - وهم على ما يذكر النسابون يمنيون، وأهل مكة وهم عدنانيون، وقد استمر هذا التنافس بينهم بعد الإسلام، وكان بين القومين حزازات ومفاخرات، وكل يدعي أنه أشرف نسبا، وأعز نفرا، وكان اليمنيون أحق بالفخر لما لهم من حضارة قديمة وملك راسخ، فلما جاء النبي
صلى الله عليه وسلم
وهو عدناني، وكانت الخلافة في قريش وهم عدنانيون، رجحت كفة العدنانيين، ويظهر أن اليمنيين أرادوا أن يعيدوا شيئا من التوازن في المفاضلة، فسلكوا في ذلك جملة طرق: منها أن رواتهم وقصاصهم لونوا تاريخهم القديم بلون زاه جميل، وزعموا أن قحطان ابن هود عليه السلام، ومنها أنهم وصلوا نسبهم بالعدنانيين بطرق شتى، كالذي ذهب إليه بعضهم من أن إسماعيل أبو العرب كلهم حتى قطحان؛ وربما كانوا هم الواضعين كذلك لنظرية تقسيم العرب إلى عرب بائدة وهم قحطان وعاد وثمود وطسم ... إلخ، ويسمون العرب العرباء أو العرب العاربة، أما العدنانيون فعرب في المنزلة الثانية في العربية؛ إذ يسمون عربا متعربة، وبعضهم يذهب إلى تقسيم العرب إلى عاربة وهم: عاد وثمود وطسم ... إلخ، ويسمي قحطان عربا متعربة، وعدنان عربا مستعربة؛ أي: أنهم في المنزلة الثالثة في العربية.
يستمر النسابون فيقولون: إن قحطان أبو اليمنيين جميعا، وإنه نسل شعبين عظيمين، شعب كهلان وشعب حمير، فشعب كهلان تفرع من فروع كثيرة أشهرها: (1)
Page inconnue