امتزاج «رع» مع «أوزير» وظفر «أوزير»
إن الذي تزرعه بنفسك لا يحيا إلا ليموت. (يا جاهل، إن ما تزرعه أنت لا يحيا إلا إذا مات.)
ليست هذه الكلمات التي فاه بها القديس بولص إلا تلميحا لما تركته الدورة السنوية في الحياة النباتية (التي من شأنها الموت ثم الحياة) من التأثير العميق في عقول الأقدمين.
ونحن نذكر أن الأساطير الإغريقية كانت مفعمة بمثل تلك الأفكار، كذلك كانت دنيا البحر الأبيض المتوسط في كل مكان متحفزة لاعتناق الآراء الشرقية التي من هذا النوع، فكان تأثيرها من أجل ذلك ظاهرا في الإنجيل، وإن أقدم مظهر لتأثير الخضرة في آراء الأقدمين التي لها علاقة بشأن الموت نراه بحالة واضحة في ذلك الانتصار الباهر الذي أحرزته تلك «العقائد الأوزيرية» على ما سبقها من العقائد الخاصة بالحياة في الآخرة، وليست «صلاة عيد الفصح» الحالية - طبعا - إلا أحدث المظاهر الباقية لتلك القوة الملحة التي نشأت عن أقدم تأثير للطبيعة في روح الإنسان.
وقد ذكرنا من قبل أن كل المعتقدات الشمسية والأوزيرية قد اندمج بعضها ببعض منذ عصر مبكر، ومع أنه يمكن تمييز نواة كل مجموعة من أساطير كل عقيدة بسهولة، فإننا من جهة أخرى نجد أن اندماج الآراء الشمسية بالآراء الأوزيرية عن الحياة الآخرة قد ترك لنا مشكلة صعبة الحل جدا إذا نحن حاولنا فصلها من ذلك الاندماج لتتميز كل عقيدة منها عن الأخرى.
وذلك أن كلا من نور الشمس والخضرة كانا مندمجين في الديانة المصرية القديمة بعضها ببعض بحالة لا يمكن معها فصلهما من ذلك الاندماج، مثلهما في ذلك كمثلهما في الطبيعة لا يمكن فصلهما من ذلك الامتزاج. ولهذا كانت توجد مجموعة معتقدات خاصة بالحياة الآخرة يمكن تسميتها «معتقدات شمسية» ومجموعة أخرى خاصة بالحياة الآخرة أيضا تسمى بلا نزاع «معتقدات أوزيرية»، غير أن هذين المذهبين قد اندمج بعضهما ببعض حتى صار لدينا مناطق محايدة عن ذلك الاندماج لا يمكننا اعتبارها لواحدة منهما خاصة دون الأخرى، ومع ذلك يمكن تمييز المذهبين، من الأنظمة الخاصة بكل منهما، بسهولة أكثر.
فمن الواضح أن المذهب الشمسي كان لاهوت الدولة تحيط به أبهة الملك ونفوذه، على حين أننا نواجه في مذهب أوزير ديانة الشعب التي اجتذبت إليها كل فرد متدين.
ومن المحتمل أن التاريخ القديم لتتابع هذين المذهبين كان كما يأتي: كان المصريون في عهد ما قبل التاريخ يعتقدون اعتقادا ساذجا بوجود عالم سفلي للأموات مآل كل الناس إليه حتما، وخص الملوك بآخرة سماوية جليلة خصوا بها في أول الأمر ثم شملت فيما بعد جميع عظماء القوم وأشرافهم - وقد تكلمنا عنها فيما سبق - ثم انتهى أمرها أخيرا بأن صارت عالما شمسيا لهؤلاء الموتى.
ولما حل نفوذ «أوزير» الذي كان آخذا في الازدياد محل الآلهة الجنازيين الذين كانوا أقدم منه صار هو بذلك رب العالم السفلي.
وكان من نتائج ذلك أن أخذ «أوزير» وعالمه السفلي يناهضان الآخرة الشمسية السماوية في سلطانها. وندرك في ظهور هذين المذهبين جنبا لجنب الكفاح الطويل الذي قام بين دين حكومي ودين شعبي لأول مرة في تاريخ العالم البشري.
Page inconnue