L'Aube de la Conscience

Salim Hasan d. 1381 AH
150

L'Aube de la Conscience

فجر الضمير

Genres

وإن توسع مصر الإمبراطوري شمالا وجنوبا، إلى أن شمل سلطان الفرعون الأقطار الآسيوية والأفريقية المجاورة، وكون منها أول إمبراطورية ثابتة الأركان في التاريخ، لهو أبرز حقيقة في تاريخ الشرق في القرن السادس عشر قبل الميلاد. كما يعد توطيد تلك السلطة على يد «تحتمس الثالث» في مدى عشرين سنة بما قام به من الغزوات في آسيا، حادثا عظيما في تاريخ العاهليات الحربية، نرى فيه لأول مرة في تاريخ الشرق مدى ما تستطيعه القوات العاملة المنظمة لدولة عظيمة.

إذ إن تلك القوات بهجومها المتواصل على ممالك آسيا الغربية قد جعلت السيادة المصرية لا ينازعها منازع، من الجزر الإغريقية فسواحل آسيا الصغرى ومرتفعات أعالي نهر الفرات شمالا، إلى الشلال الرابع لنهر النيل جنوبا.

وقد ذكر ذلك القائد الحربي العظيم نفسه تلك الملاحظة التي اقتبسناها آنفا عن إلهه، وهي التي قال عنه فيها: «إنه يرى جميع العالم في كل ساعة.»

وإذا كان ذلك القول صحيحا فما ذلك إلا لأن سيف ذلك الفرعون كان قد مد سلطان إله مصر حتى نهاية حدود الإمبراطورية المصرية، بل إن «تحتمس الأول» قد أعلن قبل ذلك العهد بخمسين سنة أن ملكه يمتد «إلى نهاية ما تحيط به الشمس». وقد كان القوم في عهد الدولة القديمة يتصورون أن إله الشمس هو فرعون، ومملكته في مصر، فلما اتسع نطاق المملكة المصرية وصارت عاهلية عالمية كان من المحتم كذلك أن يمتد سلطان الإله بهذا القدر. ولما كانت الملكية قد انبثت مظاهرها في العقائد الدينية منذ زمن بعيد، فكان لا بد للإمبراطورية كذلك من أن تؤثر تأثيرا قويا في الفكر الديني.

ومع أن ذلك قد جرى بكيفية آلية لا تكاد تحس، فإنه كان مصحوبا باستيقاظ عقلي هز التقاليد المصرية القديمة من أساسها، وجعل رجال ذلك العصر يفكرون في عالم من التفكير أوسع أفقا من قبل، فقد مضى على إله الشمس ألفا سنة وخمسمائة وهو فرعون مصري؛ أي فرعون حاكم لمصر، ولكن بعد سنة 1600ق.م صار ذلك الفرعون سيدا على العالم المتحضر إذ ذاك. وكان «تحتمس الثالث» الفاتح أول شخصية ظهرت لها نواح عالمية في التاريخ البشري، ويعتبر بذلك أول بطل عالمي، ومن ثم كان له تأثير عميق في عصره، وتمثلت فكرتا السيطرة والإمبراطورية العالميتين مجتمعتين بصورة ظاهرة ملموسة في حياته، وقد ظهرت آنئذ بوادر للعالمية في لاهوت الدولة يرجع سببها المباشر إلى تلك التأثيرات التي أحدثتها شخصية «تحتمس الثالث» وأخلاقه. وقد اضطرت مصر إلى الخروج من عزلتها العريقة في القدم في أحضان واديها الضيق والاشتراك في العلاقات العالمية التي كان لا بد أن يحسب لها في لاهوت ذلك العصر حساب فعال؛ إذ إنها - كما أوضحنا - علاقات كان لإله الشمس بها صلة لا انفصام لها.

أما العلاقات التجارية التي كانت قائمة منذ أزمان سحيقة جدا فلم تكن كافية لإدخال العالم الخارجي في دائرة التفكير المصري بدرجة محسوسة، فقد كانت أطراف ممتلكات الآلهة محددة ومحصورا أقصاها في تخوم وادي النيل الخارجية، وذلك منذ زمن بعيد، وقبل أن يصير العالم الخارجي مألوفا لسكان وادي النيل، فلم يكن في مقدور المعاملات التجارية وحدها مع عالم أوسع من مصر أن يزحزح تقاليد البلاد عما كانت عليه، فكم من تاجر رأى حجرا يسقط في «بابل» النائية كما رأى مثله يسقط في «طيبة» المصرية أيضا، ولكنه مع ذلك لم يخطر بباله، ولا ببال أي رجل آخر في ذلك العصر العتيق، أن القوة الطبيعية التي تجذب الحجر الساقط هي واحدة في كلتا هاتين المملكتين اللتين تفصلهما مسافات شاسعة؛ إذ كان العالم في الواقع وقتئذ لا يزال بعيدا جدا عن زمن ذلك الصبي الراقد تحت شجرة التفاح،

1

الذي كشف عن قوة عالمية وراء سقوط التفاحة. وكم من تاجر في ذاك العصر أيضا قد رأى الشمس تبزغ خلف معابد «بابل» البرجية كما كانت تبزغ بين المسلات المتجمعة في «طيبة»، ولكن تفكير ذلك العصر لم يكن قد وصل بعد إلى إدراك مثل هذه الحقائق ذات الأثر البعيد، وذلك بالرغم مما قاله «تحتمس » الفاتح عن إله الشمس: «إنه يرى جميع العالم في كل ساعة.»

فإن العالمية التي تصورها أولا خيال رجال الإمبراطورية المفكرين وكشفت لهم المجال العالمي الطبيعي لدولة إله الشمس هي العالمية كما بدت في السلطة العاهلية، أما التوحيد فليس إلا العاهلية في الدين.

وعلى ذلك لم يكن من باب الحدس أو الصدفة أن نجد أن أول هذه التصورات حوالي سنة 1400ق.م في عهد «أمنحتب»

Page inconnue