الإيمان بين السلف والمتكلمين
الإيمان بين السلف والمتكلمين
Maison d'édition
مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
على أن الأعمال ركن في الإيمان أكثر من أن تُحصر، ولا داعي للاستطراد في ذكرها، فليس غرضنا الاستقصاء، بل التمثيل - وبيان طريقتهم في الاستدلال إذ أن حديثًا واحدًا صحَّ عن رسول الله ﷺ، برواية الرجال الأثبات أو آية واحدة من كتاب الله تعالى، واضحة الدلالة، كافية للاستدلال. ومَن أراد المزيد، فليرجع إلى كتب السنة، فسيجد عشرات الأحاديث التي تدل على ما ذهب إليه السلف في هذا الموضوع.
ولكن الذي يهمني هنا، هو بيان مذهب السلف، الذي يتمثل في اعتقادهم أن الإيمان عبارة عن أمور ثلاثة: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان. والاعتقاد القلبيّ هو الأصل الذي لا شيئ قبله، والأعمال بالجوارح تصديق للإيمان بالقلب. فمَن لم يصدِّق الإيمان بعمل جوارحه، كالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والجهاد، وأشباه ذلك، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنًا، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه العمل تكذيبًا منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكر تصديقًا منه لإيمانه. إذ أن الدين الإسلامي يتَّسم بالإيجاب، ولا مجال للسلبية فيه، وترك العمل، سلب لروح هذا الدين الحنيف، الذي أتى لِيحثَّ على العمل والتسابق فيه، بعد تطهير النفوس من شوائب الشرك وأدران الجاهلية.
إلا أن السلف ﵏ في قولهم بأن العمل جزء من الإيمان، وأن التصديق القلبيّ والإقرار اللساني أجزاء أخرى، يقفون من رأي الخوارج والمعتزلة موقف المضاد. إذ أن هؤلاء الأخيرين يعتبرون الإيمان كلًاّ لا يتجزأ، وإن تركَّب من الأمور السالفة الذكر، لذلك قالوا بتخليد مرتكب الكبيرة في النار، وسلبه اسم الإيمان، وإطلاق الكفر عليه عند الخوارج، وجعله في منزلة بين المنزلتين عند المعتزلة. أمّا السلف فقالوا بتجزّء الإيمان فيمكن ذهاب بعضه، وبقاء بعضه الآخر، فيذهب بعض الإيمان بترك بعض الأعمال الواجبة، مالم يكن مستحلًا لتركها بالطبع. وقد بيّن ابن منده ذلك بقوله: " وقال أهل الجماعة: الإيمان (هي) ١ الطاعات كلها بالقلب واللسان
_________
١ هكذا في الأصل، ولعل الصواب «هو» .
1 / 27