الإيمان بين السلف والمتكلمين
الإيمان بين السلف والمتكلمين
Maison d'édition
مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
ومن ثم تقديمها لنا واضحة جلية لا تعقيد فيها: أنهم لا يعدلون عن النص الصحيح، ولا يعارضونه بمعقول، ولا بقول فلان وفلان، كما قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - " كنا عند الشافعي ﵀ فأتاه رجل فسأله عن مسألة فقال: " قضى فيها رسول الله ﷺ كذا وكذا "، فقال رجل للشافعي: " ما تقول أنت؟ " فقال: " سبحان الله! أتراني في كنيسة؟ تراني على وسطي زنّار؟! أقول لك قضى رسول الله ﷺ، وأنت تقول: ما تقول أنت؟! " ١. ونظائر هذا في كلام السلف كثير، فجميعهم يعلم أن الوحي الإلهي هو الذي يرسم للبشرية معتقدها الصحيح، ويرشدها إلى سبل الخير، ومناهج التطبيق، وأما العقل البشري فقاصر عن تصور العقيدة الصحيحة بمفرده، ووظيفته تنحصر في التفكر في آيات الله في الكون، من خلال توجيهات الوحي الإلهي، وتدبُّر ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله من إيضاح للعقيدة السليمة، إذ ليس لأحد رأي مع التوجيهات النبوية السديدة، ولا قول مع قول الرب ﵎، لأنه سبحانه قد أوقف البشر عند حدود رسمها لهم، وقيَّدهم بقضائه، وقضاء رسوله ﵊، الذي لا ينطق عن الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ حيث يقول سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ ٢.
وتماشيًا مع هذا المبدأ، وسيرًا على ذلك الطريق السوي، والمنهج القويم، فإن السلف - رحمهم الله تعالى - لم يقولوا رأيهم السابق في حقيقة الإيمان، إلا بعد استقراءٍ لنصوص الكتاب والسنة، وسبرٍ لأغوارهما، حيث انتهوا إلى القول به، واعتقاده، وإبطال ما سواه، لأنه هو الرأي الذي يسنده الدليل، ويرشد إليه الوحي الإلهي دون ما سواه. فمن أدلتهم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ إلى قوله سبحانه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ
_________
١ شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٣٧ ط٣.
٢ الأحزاب: ٣٦.
1 / 21