الإيمان بين السلف والمتكلمين
الإيمان بين السلف والمتكلمين
Maison d'édition
مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
سواء كان ذلك مفروضًا أو نافلة. وقد ذكر أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتابه طبقات المعتزلة اجماعهم على هذا المعنى حيث قال: أجمعت المعتزلة على أن الإيمان قول ومعرفة وعمل١.
وإذًا فالمعتزلة قد عوَّلوا على العمل كثيرًا، والعمل عندهم له شأن، لأنه لا قيمة للتكاليف إذا لم يقم بها مَن كُلِّفوا بأدائها، ولهذا جعلوا الإيمان فولًا ومعرفة وعملًا، فالقول لا بد منه حتى يكون كالبيان والإظهار لما في القلب، ولا يمكن أن نميِّز المؤمن من غيره إلا بالنطق باللسان ولا يقلّ العمل عندهم في تحقيق الإيمان عن الركنين الآخرين. وهذا الأمر موضع اتفاق بين المعتزلة والسلف.
أما أدلة المعتزلة على ما ذهبوا إليه في حقيقة الإيمان، فهي بعينها أدلة السلف في هذا الباب، وقد تقدم ذكرها فأكتفي هنا ببيان مثال منها لتتبين الموافقة في طريقة الاستدلال.
فمن أدلة المعتزلة من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (١) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٢) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا﴾ ٢. يقول القاضي عبد الجبار: إن هذه الآية تدل على أن الإيمان ليس هو القول باللسان، أو اعتقاد القلب على ما ذهب المخالف إليه، ولكنه كل واجب وطاعة، لأنه تعالى ذكر في صفة المؤمنين ما يختص بالقلب، وما يختص بالجوارح لما اشترك الكل في أنه من الطاعات والفرائض ٣.
ومما استدلوا به من الأحاديث النبوية الشريفة: حديث شعب الإيمان - وقد تقدم - فقد ذكره كدليل للمعتزلة على هذا الرأي العالم الزيدي جعفر بن
_________
١ أحمد بن يحيى بن المرتضي، طبقات المعتزلة بتحقيق سوسنة ديفلد، ص٨، ط المطبعة الكاثوليكية، بيروت، سنة ١٣٨٠هـ - ١٩٦١م.
٢ الأنفال: ٢-٤.
٣ عبد الجبار بن أحمد، متشابه القرآن، تحقيق الدكتور عدنان محمد زرزور، ج١ ص٣١٢، القاهرة، ط دار النصر للطباعة، بدون تاريخ.
1 / 124