Comprendre la Compréhension: Une Introduction à l'Herméneutique: La Théorie de l'Interprétation de Platon à Gadamer
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Genres
في عبارة افتتاحية لمحاضراته في الهرمنيوطيقا يقول «شلايرماخر»: «الهرمنيوطيقا بوصفها فن الفهم لا ودود لها كمبحث عام، فليس هناك غير كثرة من الأفرع الهرمنيوطيقية المنفصلة.» وهو بذلك يعلن في جملة واحدة عن هدفه الأساسي: تأسيس هرمنيوطيقا عامة بوصفها فن الفهم.
يؤكد «شلايرماخر» أن هذا الفن هو فن واحد من حيث ماهيته، سواء كان النص نصا تشريعيا أو نصا دينيا أو عملا أدبيا، صحيح أن هناك فروقا مؤكدة بين هذه المجالات العديدة من النصوص مما يستدعي أن يطور كل مجال أدواته النظرية الملائمة لمشكلاته الخاصة، غير أنه من وراء هذه الاختلافات تكمن وحدة أصيلة، إن جميع هذه النصوص تمثل في جسد لغوي؛ ومن ثم فلا بد من استخدام النحو لكشف معنى العبارة، فالفكرة العامة تتفاعل مع البنية اللغوية لتكون المعنى، أيا ما كان صنف النص، فإذا أمكن صياغة مبادئ كل فهم لغوي فإن هذه المبادئ تشكل هرمنيوطيقا عامة، ويمكن لهذه الهرمنيوطيقا العامة أن تكون الأساس والجوهر لكل هرمنيوطيقا خاصة.
غير أن هذه الهرمنيوطيقا العامة، فيما يرى شلايرماخر، لم يكن لها من وجود، فلم تكن هناك غير أفرع هرمنيوطيقية متباينة، أهمها الهرمنيوطيقا الفيلولوجية (فقه اللغة)، واللاهوتية، والقانونية، وحتى داخل الهرمنيوطيقا الفيلولوجية لم يكن هناك ترابط منهجي، بل مجموعة من القواعد والإرشادات العملية المهيئة لمواجهة مشكلات لغوية وتاريخية جزئية بعينها تطرحها النصوص القديمة العبرية واليونانية واللاتينية. كان الشيء الغائب دائما هو التصدي للفعل الأساسي في كل تفكير، فعل الفهم، الفهم الذي يضطلع به كائن إنساني حي يشعر ويحدس.
وفي كل حوار يجري، فإن عملية صياغة قول ما وإصداره في كلمات هي شيء، وعملية تلقي هذا القول وفهمه هي شيء آخر مختلف ومتميز كليا، والهرمنيوطيقا في رأي شلايرماخر إنما تنصب على العملية الثانية وحدها، عملية الفهم، إنها باختصار شديد: فن الفهم، ومن ثم فقد جعل شلايرماخر نقطة بدايته هذا السؤال العام: كيف يتم على وجه الدقة فهم أي عبارة أو أي قول، سواء أكان قولا منطوقا أو مكتوبا؟ إن موقف الفهم هو موقف علاقة حوارية، وفي كل علاقة من هذا النوع ثمة طرفان: الطرف المتحدث وهو من يشيد جملة لكي يعبر عن المعنى الذي لديه، والطرف المستمع وهو من يتلقى سلسلة مكونة من كلمات ... من مجرد كلمات، ولكنه فجأة، ومن خلال عملية باطنة وسرية يمكنه أن يستشف معانيها، هذه العملية الباطنة الإشراقية هي عملية التأويل، إنها المجال الحقيقي للهرمنيوطيقا، فالهرمنيوطيقا هي فن الإصغاء.
والفهم عند شلايرماخر، بوصفه فهما، هو عملية إعادة معايشة للعمليات الذهنية لمؤلف النص، فهي عكس التأليف؛ لأنها تبدأ من تعبير ثابت ومكتمل وتعود القهقرى إلى الحياة الذهنية التي نبع منها التعبير، إن المتحدث أو المؤلف يبني جملة، وعلى المستمع أن ينفذ إلى داخل بناء الجملة وبناء الفكرة، وبذلك يتكون التأويل من لحظتين متفاعلتين: اللحظة اللغوية واللحظة السيكولوجية (بالمعنى العريض لكل ما تشتمل عليه الحياة النفسية للمؤلف)، أما المبدأ الذي تنهض عليه إعادة البناء هذه بشقيها اللغوي والسيكولوجي فهو مبدأ «الدائرة التأويلية»
Hermeneutical circle
دائرة التأويل.
الفهم عملية «إحالية» (إشارية)
Referential
بالأساس، فنحن نفهم الشيء بمقارنته بشيء آخر لدينا به معرفة، وما نفهمه يشكل نفسه في وحدات منظمة أو دوائر مكونة من أجزاء، والدائرة بوصفها كلا تحدد كل جزء مفرد فيها، والعكس أيضا صحيح، فالأجزاء المفردة تكون الدائرة الكلية وتحددها: الجملة على سبيل المثال هي وحدة كلية، ونحن نفهم معنى الكلمة المفردة داخل الجملة بإحالتها إلى الجملة الكلية، والجملة بدورها يعتمد معناها الكلي على معنى كلماتها المفردة، وتمتد هذه العلاقة التبادلية لتشمل المفاهيم الذهنية، فكل مفهوم مفرد يستمد معناه من السياق أو الأفق الذي ينسلك فيه، ومع ذلك فإن الأفق أو السياق إنما يتكون في حقيقة الأمر من العناصر نفسها التي يضفي عليها معناها، وخلال هذا التفاعل الجدلي بين الكل والجزء يمنح كل منهما الآخر معناه ومغزاه، الفهم إذن عملية دائرية، والمعنى في الحقيقة لا ينهض إلا داخل هذه «الدائرة»؛ ونحن لذلك نطلق عليها «دائرة التأويل».
Page inconnue