فلمّا بلغ مولانا السلطان / ٣٢ ب / وفاته شقّ عليه أعظم مشقّه، ودمعت عيناه لما جبل عليه قلبه من رقّه. وجلس بالإيوان الكبير لتلقّي عزائه، واعتمد في ذلك اعتماد من فقد أعزّ أعزّائه.
ولمّا توجّه مولانا السلطان إلى دمشق في هذه السنة بنيّة الغزاة والجهاد، وهجر بتهجيره (الرقاد) (^١)، ووصل السّهاد، وصل من جهة والدة الملك السعيد من سأل مولانا السلطان في تمكينها، من إحضاره إلى دمشق ودفنه عند والده بتربته فأجاب سؤآلها، وتلقّى بالقبول أقوالها. فلما حضر أمر مولانا السلطان أمراء الدولة الكبير والصغير بالخروج بالشموع ليلا ومشيهم تحت تابوته. وخرج مولانا السلطان من قلعة دمشق إلى التربة المذكورة، وجلس بمحرابها، وبادر إلى هذه الحسنة واكتساب ثوابها. وحين رأى نعشه نهض له واقفا على قدميه، وأخذ يكفكف حفظا لناموس الملك دمع عينيه. وأمر الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم الصالحيّ بأن يباشر مواراته / ٣٣ أ / بنفسه، فبادر إلى امتثال أوامره، وأنزل على والده هذا والقرآن يتلى، والوعّاظ تتكلّم بأحسن ما يكتب ويملى.
وأمر مولانا السلطان فأنزلت والدته بدار الملك الزاهر تجاه المدرسة العزيزية (^٢) بخدمها وحشمها، وبالغ مولانا السلطان في رعاية ذممها، وأحسن لها التسلية، وقابل نداءها بالتلبية، ورتّب لها ما يليق بمثلها من الإقامات. وأحضرها بالتعظيم والتبجيل أيام من مات. خلّد الله ملكه ما أكثر خيره، وأجزل برّه، وأوسع صدره، وأوفى ندره، وأوضح بشره. هذه الصورة في أمر الملك السعيد (^٣).
ذكر حديث الأمير شمس الدين سنقر الأشقر
هذا الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من أجلّ الأمراء الصالحين، وهو علائيّ