ويقول الجصاص في أحكام القرآن في تعليقه على قوله تعالى:» {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]، وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم، لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان «(¬1).
فمن امتنع عن التزام الحكم بشرائع الإسلام، وتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله، وشرع للناس من الأحكام ما لم يأذن به الله فإنه يكون مستجيزا مخالفة حكم الله، مستحلا للحكم بغير ما أنزل الله، وتكفيره معلوم بالاضطرار من دين الإسلام.
ولكن سؤالا يرد في هذا المقام: هل مجرد التحاكم إلى الشرائع الوضعية والتزامها يعد خلعا للربقة وتحللا من الالتزام بشرائع الله؟
وفي الجواب على هذا تفصيل لا غنى عن ذكره:
أولا: لا شك أن من أقدم على نقض أحكام الله وتبديل شرائعه، وأحل أهواء البشر محلها طائعا مختارا، وسن للأمة بذلك نظما ثابتة، وألزمها بالحكم بها والتحاكم إليها فإنه مشرك بالله العظيم كافر بربوبيته وألوهيته.
ثانيا: أما من ورث ذلك من الحكام، ولم يقم بنفسه بالتبديل فلا يخلو حاله من صورة من هذه الصور:
أ- أن يرضى بهذه الأحكام ويعلن التزامها، ويسعى إلى تدعيمها ونصرتها، ويعقد ولاءه وبراءه على ذلك، فهذا لا شك في كفره؛ لأن الرضا بالكفر والتزامه كفر بالاتفاق.
ب-
Page 78