ألم يقل الله في أهل الكتاب: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146]، وقال المشركين: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33]، وقال في قوم فرعون: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14]، ألم يمت أبو طالب على الكفر رغم إقراره بأن دين محمد من خير أديان البرية، وهو القائل:
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
وكذلك هرقل الذي أعلن تصديقه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعه من اتباعه إلا على خشيته على ملكه، وقصته معروفه في كتب السنة.
ذلك أن آيات الله مبصرة فلا يملك القلب البشري تجاهها إلا الإذعان والتسليم، لاسيما إذا ما عرضت خالية من التشويه والتحريف، ولكن يختلف الناس بعد ذلك في الموقف العملي: أهو الإخبات والطاعة، أم الإباء والاستكبار؟.
فالإيمان كما سبق ليس مجرد التصديق، ولكنه الإقرار والطمأنينة، وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر، وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب جماعه الخضوع والانقياد للأمر وإن لم يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار، فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد.
Page 74