وعلى هذا فمن امتنع عن الالتزام بالحكم بشرائع الله عز وجل، وأعطى نفسه حق إصدار أحكام عامة ملزمة على سبيل الإيجاب أو التخيير أو الوضع على خلاف أمر الله ورسوله، وسن ذلك للناس قانونا عاما واجب الاتباع فقد ضاد الله في شرعه وحكمه، ونازعه في ربوبيته وألوهيته، ولاريب في شركه وكفره لعدوانه على حرم الربوبية، إذ لا فرق بين من ينازع الله في صفة الخلق، وبين من ينازعه في صفة الأمر، فكلاهما طاغوت مشرك متمرد على مقام العبودية، منتهك لحرم الربوبية والألوهية.
وقد كانت ربوبية الأحبار والرهبان في بني إسرائيل من هذا القبيل، فقد أحلوا حرام الله وحرموا حلاله، فتابعهم الناس على ذلك، فلم تكن الربوبية فيهم في جانب الخلق أو الأمر الكوني، بل كانت في جانب الهداية والأمر الشرعي.
عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقرأ: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [التوبة: 31]، فقلت: إنا لسنا نعبدهم، قال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ "، فقلت: بلى، قال: "فتلك عبادتهم" (¬1).
فحقيقة الإقرار بالربوبية لا تتمثل في إفراد الله جل وعلا بالخلق والتدبير الكوني فحسب بل تمتد لتشمل إفراده تعالى بالأمر والقضاء الشرعي، وقبول ما جاء به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى والشرائع، وذلك لأن المنازعة في الأمر الشرعي كالمنازعة في الأمر الكوني ولا فرق، فإن الذي أوجب الرضا بقدره هو الذي أوجب التحاكم إلى شرعه، وهو القائل: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه} [يوسف: 40]، والقائل: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21].
Page 70