ذلك أن الخلق والأمر من أخص خصائص الربوبية وأجمع صفاتها. كما قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: 54]، ولهذا أجاب بهما موسى عليه السلام في مقام المحاجة مع فرعون عندما ابتدره سائلا: {قال فمن ربكما يا موسى} [طه: 49]، فكان جواب الكليم عليه السلام: {قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50]، ومن قبل ذلك قال الخليل إبراهيم عليه السلام في وصفه لربه: {الذي خلقني فهو يهدين} [الشعراء: 78]، ومن بعد ذلك أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبح باسم ربه الأعلى الذي تفرد بهذين الوصفين فقال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى} [الأعلى: 1 - 3].
والأمر في لغة الشارع يأتي بمعنيين:
الأول: الأمر الكوني، وهو الذي به يدبر شئون المخلوقات، وبه يقول للشيء كن فيكون، ومنه قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن ... فيكون} [يس: 82]، وقوله تعالى: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} [القمر: 50].
الثاني: الأمر الشرعي، وهو الذي به يفصل الحلال والحرام، الأمر والنهي وسائر الشرائع، ومنه قوله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة: 24].
وإذا كانت البشرية لم تعرف في تاريخها من نازع الله في عموم الخلق أو الأمر بمهفومه الكوني فقد حفل تاريخها بمن نازع الله في جانب الأمر الشرعي وادعى مشاركته فيه، فقد حكى لنا القرآن الكريم عن من قال: {سأنزل مثل ما أنزل ... الله} [الأنعام: 93]، ومن قال: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل ... الرشاد} [غافر: 29]، ورأينا في واقعنا المعاصر من قال: لا سياسية في الدين ولا دين في السياسة، بل من اجترأ على ربه وقال: إن القوانين الوضعية خير من الشريعة الإسلامية، لأن الأولى تمثل الحضارة والمدنية، والثانية تمثل البداوة والرجعية.
Page 68