شرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام
شرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام
Genres
مكانة العلماء في هذه الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا شرح لرسالة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لـ شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية ﵀.
قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه في الدارين آمين: [الحمد لله على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسمائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة إلى يوم لقائه وسلم تسليمًا.
وبعد:
فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصًا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم؛ إذ كل أمة قبل مبعث محمد ﷺ فعلماؤها شرارها، إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم؛ فإنهم خلفاء الرسول في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا.
وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا يتعمد مخالفة رسول الله ﷺ في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًا على وجوب اتباع الرسول، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من عذر في تركه].
هذه مقدمة هذه الرسالة الفاضلة لـ شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، وقد ذكر فيها فضل العلماء في هذه الأمة، وهذا الفضل لا يذكر من جهة التقدير المحض لدرجتهم ورتبتهم، وإنما يذكر لأن هذا من أخص مقومات ثبات هذه الأمة وقيامها شاهدة على الناس؛ فإن الأمة متى قل علماؤها بل متى فسد علماؤها -وهذه هي الرتبة الأقل التي حذر منها النبي ﷺ فإذا فسد العلماء فسدت الأمة، ولهذا فإن صلاح هذه الأمة مرتبط بصلاح علمائها.
ولذلك قال النبي ﵊ كما ثبت عنه في الصحيح: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا -أو لم يَبقَ عالمٌ- اتخذ الناس رءوسًا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).
ولذلك ينبغي أن يكون وجود العلماء من أخص مقاصد هذه الأمة، والأمر هنا يتعلق بأحد جهتين:
الجهة الأولى: جهة العناية بإعداد طلبة العلم، وإعداد الطلاب الذين يعنون بعلم الشريعة، وتربية ملكتهم العلمية والفقهية على الأخذ بكلام أهل العلم والنظر في النصوص، والترقي بهم إلى أن يأذن الله ﷾ لمن يخص منهم بدرجات عالية في العلم، حتى يصلوا إلى رتبة الاجتهاد.
فالعناية بهذا التأسيس من أخص ضرورات الأمة في سائر أحوالها.
ومن جهة أخرى: فإن البقية الباقية في الأمة، وهم علماؤها في سائر أمصار المسلمين، لا يختص ذلك بمصر من الأمصار ولا ببلد من البلدان؛ بل كل العلماء أينما كانوا وأينما صار مقامهم -ما دام أنهم قائمون بالعلم المأثور عن سلف هذه الأمة، وهو علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، العلم المبني على الكتاب والسنة، واعتبار كلام الفقهاء المتقدمين في الإفتاء والنظر والترجيح وما إلى ذلك؛ فهؤلاء يجب أن يصان قدرهم، ويعظم مكانهم، ويرجع إليهم عملًا بما أمر الله به في كتابه في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣] وقوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء:٨٣].
فمثل هذه المقامات هي من أخص المقامات التي ينبغي -بل يجب- أن يربى الناس عليها في سائر أمصار المسلمين.
والعلماء وإن اختلف الناس في بعض الأمصار عن بعض في شأن مقامهم، فإن هذا من طبيعة الناس، ولا يلزم في العالم أن يكون سائر ما يقوله مبنيًا على قبول سائر العامة؛ بل ربما قال بعض العلماء قولًا لا يصلح لبعض العامة، أو قد يصلح لبعض العامة دون بعض، وقد يختلف اجتهاد العلماء في مسائل كثيرة.
فمثل هذه الأمور لا ينبغي أن تكون مؤذنة عند أحد من عامة المسلمين بتأخير رتبة العلماء في الأمة، فإن العلماء متى ما أخرت رتبتهم في الأمة فإن هذا من أمارات الفتنة الكبرى في هذه الأمة.
1 / 2