Explanation of the Great Foundation in Means and Intercession
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة
Genres
صور من السؤال عند الصحابة الكبار
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ [الضحى:١٠]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [المعارج:٢٤ - ٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج:٣٦].
ومنه الحديث: (إن أحدكم ليسألني المسألة فيخرج بها يتأبطها نارًا) وقوله: (اقطعوا عني لسان هذا).
وقد يكون السؤال منهيًا عنه نهي تحريم أو تنزيه، وإن كان المسئول مأمورًا بإجابة سؤاله، فالنبي ﷺ كان من كماله أن يعطي السائل، وهذا في حقه من فضائله ومناقبه وهو واجب أو مستحب، وإن كان نفس سؤال السائل منهيًا عنه.
ولهذا لم يعرف قط أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوه شيئًا من ذلك، ولا سألوه أن يدعو لهم وإن كانوا قد يطلبون منه أن يدعو للمسلمين، كما أشار عليه عمر في بعض مغازيه لما استأذنوه في نحر بعض ظهرهم فقال عمر: (يا رسول الله! كيف بنا إذا لقينا العدو غدًا رجالًا جياعًا! ولكن إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو الله بالبركة فإن الله يبارك لنا في دعوتك).
وفي رواية: (فإن الله سيغيثنا بدعائك).
وإنما كان سأله ذلك بعض المسلمين كما سأله الأعمى أن يدعو الله له ليرد عليه بصره، وكما سألته أم سليم أن يدعو الله لخادمه أنس، وكما سأله أبو هريرة أن يحببه وأمه إلى عباده المؤمنين ونحو ذلك].
هذه الصور تختلف عن الصور البدعية، حتى المحرم منها والمكروه، وهي أن يسأل المخلوق فيما يقدر عليه، فإنها في حد ذاتها ليست ببدعة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة؛ لأنها من باب سؤال الناس ما يقدرون عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الصديق فقد قال الله فيه وفي مثله: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل:١٧ - ٢١].
وقد ثبت في الصحاح عنه أنه قال ﷺ: (إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا)، فلم يكن في الصحابة أعظم منه من الصديق في نفسه وماله.
وكان أبو بكر يعمل هذا ابتغاء وجه ربه الأعلى لا يطلب جزاء من مخلوق، فقال تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل:١٧ - ٢١].
فلم يكن لأحد عند الصديق نعمة تجزى، فإنه كان مستغنيًا بكسبه وماله عن كل أحد، والنبي ﷺ كان له على الصديق وغيره نعمة الإيمان والعلم، وتلك النعمة لا تجزى، فإن أجر الرسول فيها على الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [يوسف:١٠٤].
وأما علي وزيد وغيرهما فإن النبي ﷺ كان له عندهم نعمة تجزى، فإن زيدًا كان مولاه فأعتقه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب:٣٧]، وعلي كان في عيال النبي ﷺ لجدب أصاب أهل مكة، فأراد النبي ﷺ والعباس التخفيف عن أبي طالب من عياله، فأخذ النبي ﷺ عليًا إلى عياله وأخذ العباس جعفرًا إلى عياله، وهذا مبسوط في موضع آخر].
10 / 3