شرح العقيدة الواسطية للهراس
شرح العقيدة الواسطية للهراس
Maison d'édition
دار الهجرة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الثالثة
Année de publication
١٤١٥ هـ
Lieu d'édition
الخبر
Genres
وَكَذَلِكَ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى ﵇: ﴿لَن تَرَانِي﴾ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا، بَلِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الرُّؤْيَةِ مِنْ وجوهٍ كثيرةٍ؛ مِنْهَا:
١- وُقُوعُ السُّؤَالِ مِنْ مُوسَى، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِيمُهُ، وَهُوَ أعلمُ بِمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّ اللَّهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ مُمْتَنِعَةً لَمَا طَلَبَهَا.
٢- أَنَّ اللَّهَ ﷿ عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ حَالَ التجلِّي وَهُوَ ممكنٌ، والمعلَّق عَلَى الْمُمْكِنِ ممكنٌ.
٣- أَنَّ اللَّهَ تجلَّى لِلْجَبَلِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ جمادٌ، فَلَا يَمْتَنِعُ إِذًا أَنْ يتجلَّى لِأَهْلِ محبَّته وَأَصْفِيَائِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ ﴿لَن﴾، لِتَأْبِيدِ النَّفْيِ، وَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرُّؤْيَةِ أَصْلًا؛ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللُّغَةِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْكُفَّارِ: ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾ (١)، ثُمَّ قال: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ (٢)، فَأَخْبَرَ عَنْ عَدَمِ تمنِّيهم لِلْمَوْتِ بِـ ﴿لَن﴾، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ تمنِّيهم لَهُ وَهُمْ فِي النَّارِ.
وَإِذًا؛ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَن تَرَانِي﴾: لَنْ تَسْتَطِيعَ رُؤْيَتِي فِي الدُّنْيَا؛ لِضَعْفِ قُوَى الْبَشَرِ فِيهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ مُمْتَنِعَةً لِذَاتِهَا؛ لَقَالَ: إنِّي لَا أُرى، أَوْ لَا يَجُوزُ رُؤْيَتِي، أَوْ لَسْتُ بمرئيٍّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(١) البقرة: (٩٥) . (٢) الزخرف: (٧٧) .
1 / 158