روافد الأخوة الإيمانية
لقد حرم الله سخرية الإنسان من الإنسان، وحرم اعتداء الإنسان على الإنسان، وحرم أخذ مال إنسان بغير حق، فحفظ كل جوانب المادة للمجتمع؛ فإذا حفظت الحقوق كانت الأخوة.
أما الجانب الروحي فقد حفظ أيضًا، وكما أن هذا العنصر إلهي ومن جانب المولى سبحانه، كما قال: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء:٨٥]، فكذلك كانت أخوتهم من جانب الله: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران:١٠٣]، (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ) أي: بتأليفه لقلوبكم.
إذًا: تلك الأخوة بين جميع المؤمنين فيها عنصر إلهي نعمة من الله، فأصبحتم بنعمته إخوانًا، ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:٦٣]؛ لأن المحبة والأخوة لا يستطيع أحد أن يشتريها؛ لأنها أمور روحانية عاطفية قلبية، (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء) فنجد تعاليم الإسلام للمؤاخاة بين المسلمين من جانب العنصر المادي بمنع كل أسباب النزاع وغرس أسباب المحبة: (لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)، وإفشاء السلام من دواعي المحبة: (تهادوا تحابوا)، إذا قدمت لأخيك هدية وجد في نفسه ميلًا إليك، أو كما قيل: الهدايا تسل الضغينة من القلوب، وأمر بأداء الحقوق: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه -يفتح لك قلبه- وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)؛ فهذه الحقوق التي أوجبها النبي ﷺ لكل أخ على أخيه بمثابة وتواجد دوحة الإخاء، وهذه روافد تصب في جذورها، ففعل الخير وكف الشر يحفظ الأخوة من آفاتها وتبقى سليمة، وفعل روافد تغذيها لتنمو فتؤتي أكلها في كل حين، والجانب الروحي جاء من الله فضلًا ونعمة، ولهذا: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، ولهذا شواهد عديدة، فترى الإنسان ولو لم تكن قد رأيته قط فكأنه معك من سنوات، تستريح لرؤيته، وتميل لحديثه؛ لأن الأرواح قد تعارفت وتآلفت.
إذا كان الأمر كذلك، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات:١٠] .
نجد نتيجة هذا التآخي الموآثرة بين المسلمين، فالواحد منهم يؤثر غيره على نفسه، وقد جاءت النصوص وبينت ذلك في حق الأنصار رضوان الله عليهم، قال ﷿: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:٩]؛ فمن شروط الصلح: التجرد من شح النفس.
5 / 10