Excellence of the Most Merciful: Commentary on Sunan Abu Dawood
فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود
Maison d'édition
دار ابن الجوزي
Numéro d'édition
الأولى
Lieu d'édition
الدمام - السعودية
Genres
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
قال النووي في مقدمة خلاصته: "فإنه ينبغي لكل أحد أن يتخلق بأخلاق رسول الله ﷺ، ويقتدي بأقواله وأفعاله وتقريره في الأحكام والآداب وسائر معالم الإسلام، وأن يعتمد في ذلك ما صح، ويجتنب ما ضعُف، ولا يغتر بمخالفي السنن الصحيحة، ولا يقلِّد معتمدي الأحاديث الضعيفة؛ فإن الله ﷾ قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١]؛ فهذه الآيات وما في معناهن حثٌّ على اتباعه ﷺ، ونهانا عن الابتداع والاختراع، وأمرنا الله ﷾ عند التنازع بالرجوع إلى الله والرسول؛ أي: الكتاب والسُّنَّة، وهذا كله في سُنَّةِ صحَّت، أما ما لم تصح فكيف تكون سُنَّةَ، وكيف يُحكم على رسول الله ﷺ أنه قاله أو فعله من غير مسوغ لذلك، ولا تغترن بكثرة المتساهلين في العمل، والاحتجاج في الأحكام بالأحاديث الضعيفة، وإن كانوا مصنفين وأئمةً في الفقه وغيره، وقد أكثروا من ذلك في كتبهم،
1 / 5
ولو سئلوا عن ذلك لأجابوا بأنه لا يعتمد في ذلك الضعيف، وإنما أباح العلماء العمل بالضعيف في القصص وفضائل الأعمال التي ليست فيها مخالفة لما تقرر في أصول الشرع مثل فضل التسبيح، وسائر الأذكار، والحث على مكارم الأخلاق، والزهد في الدنيا وغير ذلك مما أصوله معلومة مقررة".
قال أبو المظفر محمد بن أحمد بن حامد بن إبراهيم بن الفضل البخاري: لما عُزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمذاني عن قضاء الرَّي ورد بُخارى سنة ثماني عشرة وثلاث مئة لتجديد مودةٍ كانت بينه وبين أبي الفضل محمد بن عُبَيد الله البَلْعمي، فنزل في جوارنا.
قال: فحملني معلمي أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الخُتَّلي إليه، وقال له: أسألك أن تحدِّث هذا الصبي بما سمعت من مشايخك ﵏. فقال: ما لي سماع. قال: فكيف وأنت فقيه، فما هذا؟ قال: لأني لما بلغتُ مبلغَ الرجال تاقت نفسي إلى طلب الحديث، ومعرفة الرجال، ودراية الأخبار، وسماعها، فقصدتُ محمدَ بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب "التاريخ" والمنظور إليه في معرفة الحديث، فأعلمتُه مُرادي، وسألته الإقبال علي بذلك.
فقال لي: يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده، والوقوف على مقاديره.
قال: فقلت له: عرِّفني حدودَ ما قصدتُ له، ومقادير ما سألتك عنه؟
قال: اعلم أن الرجل لا يصير محدثًا كاملًا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعًا مع أربع كأربع مثل أربع في أربع عند أربع بأربع على أربع عن أربع لأربع، وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع، فإذا تمت له كلها هانت عليه أربع وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع، وأثابه في الآخرة بأربع.
قال: قلت له: فسِّر لي رحمك الله ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات عن قلب صافٍ بشرح كافٍ، وبيان شافٍ طلبًا للأجر الوافي.
قال: نعم، أما الأربعة التي تحتاج إلى كِتْبتها هي: أخبار الرسول ﷺ وشرائعه، والصحابة ومقاديرهم، والتابعين وأحوالهم، وسائر العلماء وتواريخهم.
مع أسماء رجالها، وكناهم، وأمكنتهم، وأزمنتهم.
1 / 6
كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع الترسل، والبسملة مع السور، والتكبير مع الصلوات.
مثل المسندات، والمُرسلات، والموقوفات، والمقطوعات.
في صغره، وفي إدراكه، وفي شبابه، وفي كهولته.
عند شغله، وعند فراغه، وعند فقره، وعند غناه.
بالجبال، والبحار، والبلدان، والبراري.
على الأحجار، والأصداف، والجلود، والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق.
عن من هو فوقه، وعن من هو مثله، وعن من هو دونه، وعن كتاب أبيه، يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره.
لوجه الله تعالى طالبًا لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله منها، ونشرها بين طالبيها ومحبيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده.
ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع التي هي من كسب العبد؛ أعني: معرفة الكتابة، واللغة، والصرف، والنحو.
مع أربع هي من إعطاء الله ﷿؛ أعني: الصحة، والقدرة، والحرص، والحفظ.
فإذا تمت له هذه الأشياء هان عليه أربع: الأهل، والولد، والمال، والوطن.
وابتلي بأربع: بشماتة الأعداء، وملامة الأصدقاء، وطعن الجهلاء، وحسد العلماء.
فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع: بعز القناعة، وبهيبة النفس، وبلذة العلم، وبحيوة الأبد.
وأثابه في الآخرة بأربع: بالشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش حيث لا ظل إلا ظله، وبسقي من أراد حوض نبيه محمد ﷺ، وبجوار النبيين في أعلى عليين في الجنة.
فقد أعلمتك يا بني مجملًا جميع ما كنت سمعت من مشايخي متفرقًا في هذا الباب، فأقبل الآن على ما قصدتني له، أو دَع.
1 / 7
قال: فهالني قوله، وسكتُّ متفكرًا، وأطرقت نادمًا، فلما رأى ذلك مني، قال: فإن لا تُطِق احتمال هذه المشاق كلها؛ فعليك بالفقه الذي يمكنك تعلمه وأنت في بيتك قارٌّ ساكنٌ، لا تحتاج إلى بُعد الأسفار ووطي الديار، وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث، وليس ثواب الفقيه بدون ثواب المحدث في الآخرة، ولا عزه بأقل من عز المحدث.
فلما سمعت ذلك نقص عزمي في طلب الحديث، وأقبلت على علم ما أمكنني من علمه بتوفيق الله ومنه، فلذلك لم يكن عندي ما أمليه على هذا الصبي يا أبا إبراهيم.
فقال أبو إبراهيم: إن هذا الحديث الذي لا يوجد عند أحد غيرك خير من ألف حديث يوجد مع غيرك. اهـ كلامه.
ساق هذه القصة بإسناده: القاضي عياض في الإلماع (٢٩ - ٣٤)، والمزي في التهذيب (٢٤/ ٤٦١ - ٤٦٤)، والسيوطي في تدريب الراوي (٢/ ١٥٦ - ١٥٨).
ولهذه القصة معانٍ ودلالات، والذي قصدته من إيرادها: التنويه بشأن هؤلاء الأئمة، أئمة الحديث والأثر، ومدى اعتنائهم بحديث رسول الله ﷺ، وبذل أعمارهم وأغلى ما لديهم للوقوف على طرقه وأسانيده، سواءً في ذلك المسند والمرسل والموقوف والمقطوع، مما به تتبين وتظهر علة الحديث، ويظهر صحيحه من سقيمه، ولذلك فقد اجتهدوا في جمع ما أمكن جمعه من حَمَلَته الذين يحملونه في زمانهم، حتى إن بعضهم كان يرحل الأيام والليالي في طلب حديث واحد [انظر في هذا: الجامع لأخلاق الراوي (٢/ ٢٢٥)].
وبعد جمعهم للأحاديث وطرقها وأسانيدها اجتهدوا في تمحيصها، وتمييز الصحيح منها من الضعيف، والمحفوظ من الشاذ، والمعروف من المنكر، وعرفوا بذلك الأفراد والغرائب والمناكير، بل وصنفوا فيها تمييزًا لها عن الصحاح والمشاهير، والحجة عندهم في ذلك: الحفظ والفهم والمعرفة [انظر: معرفة علوم الحديث (١٥١)].
وقد أعانهم على ذلك: معرفة الصحابة والتابعين وتابعيهم وأتباعهم وسائر العلماء والرواة، وأسمائهم وكناهم وألقابهم وطبقاتهم وأنسابهم وقبائلهم وبلدانهم وأزمنتهم، لتمييز الرواة بعضهم من بعض.
1 / 8
واهتموا بنقد الحديث سندًا ومتنًا، لم يكتفوا بالنظر في الإسناد وعلّله فحسب، بل نقدوا المتون، وعللوها ولو رُويت بسند صحيح كالشمس.
• والحقيقة التي تغيب عن كثير من المشتغلين بطلب الحديث: أن حكم هؤلاء الأئمة على الرجال جرحًا وتعديلًا كان نابعًا من مرويات هؤلاء الرواة، فإنهم إذا وثقوا راويًا أو ضعفوه، فإن هذا الحكم الصادر من أحدهم كان بالنظر إلى مرويات هذا الراوي وسبرها واعتبارها بمرويات الثقات الحفاظ، فإن وافقهم دل ذلك على حفظه وضبطه، فذاك الحافظ الضابط الحجة، وإن خالفهم: نظروا في مقدار المخالفة فإن قلَّت بحيث يمكن احتمال ذلك من مثله من البشر، مما يقع لهم في العادة من السهو والغفلة والخطأ العارض؛ احتملوه ووثقوه في الجملة، فإن زادت أوهامه تكلموا فيه بما يقتضيه المقام، لذا ترى ابن معين مثلًا تختلف الروايات عنه في أمثال هؤلاء بحسب ما يحضره من مروياته وحاله في الضبط، فيوثقه تارة ويلينه أخرى، فإذا زادت أوهامه وكثر غلطه حتى غلب عليه الغلط والوهم؛ ضعفوه مع كتابة حديثه للاعتبار، فإن قل صوابه وموافقته للثقات، تركوه ورموا به، فإن ثبت عليه تعمد الكذب والوضع مزقوا حديثه، واتهموه وحذروا منه.
وليس من شرط الثقة أن لا يهم، وإن كان الأصل قبول حديثه، حتى تدل قرينة على وهمه وخطئه، قال الإمام مسلم في التمييز (١٧٠): "فليس من ناقل خبرٍ وحامل أثرٍ من السلف الماضين إلى زماننا وإن كان من أحفظ الناس وأشدهم توقيًا وإتقانًا لما يحفظ وينقل؛ إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله، فكيف بمن وصفتُ لك ممن طريقه الغفلة والسهو في ذلك"، وقال الترمذي في العلل الصغير (٥/ ٧٠٢ - الجامع): "وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع؛ مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم".
وأما اليوم فإنا نرى بعض من يحكم على الأحاديث ومتونها وأسانيدها مستمسكين في ذلك بأقوال الأئمة في الرجال، فقلبوا الأمر؛ إذ كان الأئمة يحكمون على الرجال بأحاديثهم، واليوم يُحكم على الأحاديث برجالها، بغض النظر عن أقوال هؤلاء الأئمة في هذه الأحاديث بعينها، فكم من حديث عللوه، ولهم أقوال في توثيق رجاله، فإذا ببعض من له عناية بعلم الحديث اليوم يضربون بأحكام هؤلاء الأئمة في الأحاديث عُرض الحائط متذرعين بأقوالهم في الرجال، بدعوى عدم
1 / 9
توهيم الثقات، ولو أدى ذلك إلى توهيم الصحابة، وقد يترتب على قبول هذه الرواية بعينها القدح بوجه ما في الصحابي، أو قبول الباطل من الأحاديث؛ المخالف لصحيح الحديث والأثر، أو جعل ما ليس بدين دينًا، وما ليس بسُنَّة سُنَّة، وكم ترك الأول للآخر!، زعموا.
وقد يحكم الأئمة على حديث ما بإعلاله بما لم تظهر لنا علته، أو يشيرون إلى علة خفية في الحديث يصعب إدراكها، فيجب حينئذ المصير إلى أقوالهم إذا اتفقوا، فإن اتفاق المحدثين على شيء يكون حجة [المراسيل لابن أبي حاتم (٧٠٣)] لا ينبغي لأحد مخالفتها كائنًا من كان، وأما إذا اختلفوا: فحينئذ نرجح بين أقوالهم، على مقتضى قواعدهم وطرقهم في الإعلال، ولا ينبغي لنا أن نحدث قولًا جديدًا لم
نسبق إليه، فكما أن الصحابة ﵃ الذين عاينوا التنزيل، وكانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها أخلاقًا، فكما أنهم إذا اختلفوا في مسألة لا ينبغي لنا أن نخرج عن أقوالهم، فنحدث قولًا جديدًا، فكذلك هؤلاء الأئمة النقاد الذين عاصروا التدوين وخبروا أحوال الرواة والمرويات لا ينبغي الخروج عن أقوالهم وإحداث قول جديد، بل نقول بقولهم إذا اتفقوا، ونرجح بين أقوالهم إذا اختلفوا، ولابن حجر في هذا كلام نفيس أسوقه لفائدته في هذا الموطن، فإنه لما نقل كلام الأئمة في إعلال حديث أبي هريرة في كفارة المجلس [مخرج في الذكر والدعاء برقم (٣٠٠)]، وهو حديث مروي بإسناد ظاهره الصحة، قال: "وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم؛ بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد" [النكت على ابن الصلاح (٢/ ٧٢٦)].
• ومما يجعلنا نسلم لهم في أحكامهم، ولا ننازعهم فيها:
أ- اطلاعهم على أحوال الرجال، بشكل لا يتسنى لنا اليوم الوقوف عليه، لا سيما مع اختلاف البيئة والعادات وطرق سير الحياة اليومية.
ب- أنهم ما قبلوا كل أحاديث الثقات، بل ردوا ما وهموا فيه، ولا ردوا كل أحاديث الضعفاء ممن خف ضبطهم، وهم في الأصل يشملهم اسم الصدق وتعاطي العلم، بل قبلوا ما حفظوه، فكيف يتساهل البعض بعد ذلك في قبول رواية الثقة
1 / 10
مطلقًا، وإن دلت القرائن على وقوع الوهم في روايته، وعدم قبول رواية من كثر وهمه، وإن دلت القرائن على أنه حفظ.
ج- اطلاعهم على النسخ الحديثية أو الصحف أو الكتب الخاصة بحديث راوٍ معين، بحيث إذا لم يجدوا حديث الراوي في كتابه أو صحيفته دل ذلك على أنه ليس من حديثه، وأنه قد وهم عليه فيه من هو دونه، أو أنه أُدخل عليه، أو لُقِّنه، وليس من حديثه، ومثل هذا يصعب الوقوف عليه اليوم.
د- فقدان بعض أو كثير من النسخ الحديثية والمصنفات الكبار والصغار، والتي حوت كثيرًا من الطرق التي تعين على بيان وجه الصواب، ومن اطلع على علل الدارقطني مثلًا يعلم ذلك يقينًا.
هـ- كلما تأخر الزمان وامتد، كلما أصبح عندنا كمّ هائل من الأوهام والتصحيفات، الناشئة عن غفلة الراوة، أو قلة ضبطهم، أو عدم حفظ كتبهم عن أن يُدخل فيها ما ليس منها، أو انتقال البصر أثناء التحديث من الكتاب فيُدخل حديث في حديث ونحو ذلك، أو التغير والاختلاط بسبب الكبَر وغيره، أو التلقين، أو جمع الأسانيد المتعددة والتي روي بها متن واحد على لفظ واحد مع اختلاف ألفاظ الناقلين، أو سلوك الجادة والطريق السهل المشهور، أو من حمله التشهي على التحديث بحديث غيره ولم يسمعه، أو سرقة أحاديث الرواة، أو تفنن الواضعين في الوضع بطرق خفية، فما كان من هذا مما وقع في زمان الأئمة النقاد أو قبله؛ فإنهم بيَّنوه بيانًا شافيًا، وميَّزوا الصحيح من هذا كله، لكن يبقى قسم كبير مما وقع بعد زمانهم، فلم يدركوه، ولا شك أن كثيرًا مما نعانيه اليوم من مثل هذه الطرق المحدثة لم يكن موجودًا في أيامهم، بل وقع بعد عصرهم [انظر مثلًا: الحديث رقم (١٣٤) من السنن، حديث ابن عباس من الشواهد، الطريق الخامسة]، فيأتي بعد ذلك من يغتر بظاهر الإسناد، وصلاحيته للاحتجاج أو الاعتضاد، وما هو في الحقيقة إلا سراب بقيعة!.
• وقد عمدت إلى تخريج سنن أبي داود، وذلك لمكانته المعروفة بين كتب السنن، حتى عده بعضهم كتاب الأحكام الذي حوى معظم أحاديث الأحكام فلم يفته منها إلا اليسير، قال الخطابي في المعالم (١/ ٦ - ٨): "واعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف، لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد
1 / 11
رزق القبول من الناس كافة، فصار حكمًا بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، فلكلٍ فيه وِردٌ ومنه شِربٌ"، ثم أطال في الثناء عليه، وبيان فضله على غيره من الكتب، وأوضح أنه اتفق لأبي داود ما لم يتفق لغيره ممن سبقه من المصنفين: جمعُ أحاديث الأحكام والسنن، وتلخيصها، وترتيبها، واختصار مواضع الشاهد منها من أصولها الطوال، وحكى عن إبراهيم الحربي أنه قال: "ألين لأبي داود الحديث، كما أُلين لداود الحديد"، وحكى عن شيخه ابن الأعرابي أن رجلًا لو لم يكن عنده من العلم إلا المصحف وسنن أبي داود لكفاه، ثم ختم كلامه بقوله: "وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه" [وانظر في مسألة استيعاب سنن أبي داود لأحاديث الأحكام: رسالة أبي داود إلى أهل مكة (٢٦)، روضة الطالبين (١١/ ٩٥)، البحر الذي زخر (٣/ ١١٣٨)].
وقال الحافظ زكريا الساجي: "كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب أبي داود عهد الإسلام" [تاريخ دمشق (٢٢/ ١٩٧)، تذكرة الحفاظ (٢/ ٥٩٣)، السير (١٣/ ٢١٥)، تاريخ الإسلام (٢٠/ ٣٦٠)، ختم سنن أبي داود لعبد الله بن سالم البصري (٧٢)].
وقال الخطيب: "ويقال: إنه صنفه [يعني: كتاب السنن] قديمًا، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه"، قال أبو طاهر السِّلفي: "وحسبه ذلك فخرًا" [تاريخ بغداد (٩/ ٥٦)، تاريخ دمشق (٢٢/ ١٩٤)، السير (١٣/ ٢٠٩)، تاريخ الإسلام (٢٠/ ٣٥٩)، البداية والنهاية (١١/ ٥٥)، مقدمة السلفي على المعالم (٤/ ٣٢٨)].
وقال الذهبي في السير (١٣/ ٢١٥): "كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه يدل على ذلك، وهو من نجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه مدة، وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول، وكان على مذهب السلف في اتباع السُّنَّة والتسليم لها وترك الخوض في مضائق الكلام.
روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، قال: كان عبد الله بن مسعود يشبَّه بالنبي ﷺ في هديه ودَلِّه، وكان علقمة يشبه بعبد الله في ذلك، قال جرير بن عبد الحميد: وكان إبراهيم النخعي يشبه بعلقمة في ذلك، وكان منصور يشبه بإبراهيم، وقيل: كان سفيان الثوري يشبه بمنصور، وكان وكيع يشبه بسفيان، وكان أحمد يشبه بوكيع، وكان أبو داود يشبه بأحمد" [انظر: تاريخ بغداد (٩/ ٥٦ - ٥٨)].
1 / 12
وقد اعتنى أبو داود بتصنيف السنن عناية كبيرة، حيث انتقاها من خمسمائة ألف حديث، كان يذاكر بمائة ألف منها، قال أبو داود: "كتبت عن رسول الله ﷺ خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب -يعني: كتاب السنن-، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه، وما يقاربه" [تاريخ بغداد (٩/ ٥٧)، طبقات الحنابلة (١/ ٤٣١)، تاريخ دمشق (٢٢/ ١٩٦)، شروط الأئمة الستة (٦٨)، السير (١٣/ ٢٠٣)، البدر المنير (١/ ٢٩٩)، ختم سنن أبي داود لعبد الله بن سالم البصري (٦٥)].
وقد اجتهد في إخراج أصح ما عنده في الباب [رسالة أبي داود إلى أهل مكة (٢٢ و٢٦)، البدر المنير (١/ ٣٠٠)].
وقال أبو داود: "ما كان في كتابي من حديث فيه وَهَنٌ شديد فقد بيَّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض" [رسالة أبي داود إلى أهل مكة (٢٧)، البدر المنير (١/ ٣٠٠)، النفح الشذي (١/ ٢٤)، التقييد والإيضاح (٥٢)، تدريب الراوي (١/ ١٦٧)، وانظر: رسالة أبي داود إلى أهل مكة (٢٥)].
قال الذهبي في السير (١٣/ ٢١٤): "قلت: فقد وفَّى ﵀ بذلك بحسب اجتهاده، وبيَّن ما ضعفُه شديدٌ، ووهنُه غير محتمل، وكاسَرَ عن ما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من سكوته والحالة هذه عن الحديث أن يكون حسنًا عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولَّد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري ويمشيه مسلم وبالعكس، فهو داخل في أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج ولبقي متجاذبًا بين الضعف والحسن.
فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت: ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه: ما أخرجه أحد الشيخين ورغب عنه الآخر، ثم يليه: ما رغبا عنه وكان إسناده جيدًا سالمًا من علة وشذوذ، ثم يليه: ما كان إسناده صالحًا وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدًا يعضد كل إسناد منهما الآخر، ثم يليه: ما ضعُف إسناده لنقص حفظ راويه فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالبًا، ثم يليه: ما كان بَيِّن الضعف من جهة راويه فإذا لا يسكت عنه بل يوهنه غالبًا، وقد
1 / 13
يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم" [وانظر: تاريخ الإسلام (٢٠/ ٣٦٠)].
ولابن حجر في تفسير عبارة أبي داود كلام نفيس أسوقه بتمامه لفائدته، فإنه يغني عن كلام كثير غيره، قال في النكت (١/ ٤٣٥ - ٤٤٥): "وفي قول أبي داود: "وما كان فيه وهن شديد بينته": ما يُفهِم أن الذي يكون فيه وهنٌ غير شديد أنه لا يبينه، ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي بل هو على أقسام:
١ - منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة.
٢ - ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
٣ - ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد، وهذان القسمان كثير في كلتابه جدًّا.
٤ - ومنه ما هو ضعيف؛ لكنه من رواية من لم يُجمَع على تركه غالبًا.
وكل هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها، كما نقل ابن منده عنه: أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وأنه أقوى عنده من رأي الرجال.
وكذلك قال ابن عبد البر: "كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده، لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره".
ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر عنه: أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره، وأصرح من هذا ما رويناه عنه فيما حكاه أبو العز ابن كادش، أنه قال لابنه: "لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث أني لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه"، ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه، قال: سمعت أبي يقول: "لا تكاد ترى أحدًا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل، والحديث الضعيف أحب إليَّ من الرأي"، قال: فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث، لا يدري صحيحه من سقيمه، وصاحب رأي، فمن يسأل؟ قال: "يسأل صاحب الحديث، ولا يسأل صاحب الرأي".
فهذا نحو مما حكي عن أبي داود، ولا عجب فإنه كان من تلامذة الإمام
1 / 14
أحمد، فغير مستنكر أن يقول قوله، بل حكى النجم الطوفي عن العلامة تقي الدين ابن تيمية أنه قال: "اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقًا لشرط أبي داود".
وقد أشار شيخنا في النوع الثالث والعشرين إلى شيء من هذا، ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها، مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، ودلهم بن صالح، وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، وينابعه في الاحتجاج بهم؛ بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوفف فيه، ولا سيما إن كان مخالفًا لرواية من هو أوثق منه؛ فإنه ينحط الى قبيل المنكر.
وقد يخرِّج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير: كالحارث بن وجيه، وصدقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، وأبي جناب الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته، كأبي الحويرث، ويحيى بن العلاء، وغيرهما.
وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر؛ فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته أشهر، ومن أمثلة ذلك: ما رواه من طريق: الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: حديث "إن تحت كل شعرة جنابة ... " الحديث، فإنه تكلَّم عليه في بعض الروايات، فقال: "هذا حديث ضعيف، والحارث: حديثه منكر"، وفي بعضها اقتصر على بعض هذا الكلام، وفي بعضها لم يتكلم فيه.
1 / 15
وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن، ويسكت عنه فيها، ومن أمثلته: ما رواه في السنن من طريق: محمد بن ثابت العبدي، عن نافع، قال: انطلقت مع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في حاجة إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فذكر الحديث في الذي سلَّم على النبي ﷺ فلم يرد عليه، حتى تيمم ثم رد السلام، وقال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على طهر"، لم يتكلم عليه في السنن، ولما ذكره في كتاب التفرد قال: "لم يتابع أحدٌ محمد بن ثابت على هذا" ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: "هو حديث منكر".
وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام: ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة، منها: وهو ثالث حديث في كتابه: ما رواه من طريق: أبي التياح قال: حدثني شيخ، قال: لما قدم ابن عباس البصرة كان يحدِّث عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، فذكر حديث: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله": لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم، إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته؛ لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه، والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك فكيف يقلده فيه.
وهذا جميعه إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئًا فهو صالح" على أن مراده: أنه صالح للحجة، وهو الظاهر، وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك، وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة: فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف.
ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة: هل فيها إفراد أم لا؟ إن وجد فيها إفراد: تعين الحمل على الأول، وإلا حمل على الثاني، وعلى كل تقدير: فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقًا.
وقد نبَّه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى، فقال: "في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها؛ مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه"، ثم قال:"والحق: أن ما وجدناه في سننه مما لم يبيِّنه، ولم ينصَّ على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد: فهو حسن، وإن نصَّ على ضعفه مَن يعتمد، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له: حكم بضعفه، ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود".
1 / 16
قلت: وهذا هو التحقيق، لكنه خالف ذلك في مواضع من شرح المهذب وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها؛ فلا يغتر بذلك والله أعلم" انتهى كلام ابن حجر بنصه من النكت [وانظر: البحر الذي زخر (٣/ ١٠٧٥ - ١١٠٨)، ختم سنن أبي داود لعبد الله بن سالم البصري (٧٨)].
• وأما طريقتي التي اتبعتها في التخريج والحكم على الحديث، فهي كالآتي:
١ - حذفت من آخر إسناد أبي داود من لدن شيخه إلى من عليه مدار الحديث عند من ذكرت كتبهم من المصنفين، تسهيلًا واختصارًا في ذكر من خرَّج هذا الحديث من طريق هذا الراوي، مثاله: (٦٨) ... سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اغتسل بعض أزواج النبي ﷺ في جفنة ... الحديث، فعنيت بذلك أن كل المصنفين الذين ذكرتهم في التخريج إنما أخرجوه من طريق سماك بن حرب، إذ عليه مدار الحديث عندهم، وقد أخرجوه من طرق متعددة عن سماك، رواه عنه: شعبة، وسفيان الثوري، وأبو الأحوص، وحماد بن سلمة، وإسرائيل، وشريك، وغيرهم، وقد فعلت ذلك بعد التأكد من تعدد الطرق إلى هذا الراوي، بحيث تكون ثابتة إليه في الجملة، لا أن يتوارد على روايتها عنه الضعفاء والمتروكون فلا تثبت عنه حينئذ.
وقد أذكر الإسناد كاملًا بلا حذف؛ إما لأني لم أقف عليه إلا من طريق أبي داود، أو لعلة أخرى، فأقول: قال أبو داود: حدثنا مسدد ... مثلًا، فأسوقه بتمامه.
٢ - وأما الطرق التي أوردتها في أثناء التخريج، فإما أن تكون متعددة الطرق إلى راوٍ معين فابدأ بمن عليه مدار الإسناد، على ما ذكرت آنفًا، أو يكون مرويًا بإسناد فرد: فإما أن أذكره بتمامه دونما حذف من آخره، أو أحذفه من لدن شيخ المصنف إلى راوٍ معين يكون هو علة الإسناد، أو لكونه مرويًا بإسناد صالح للاحتجاج إلى من ذكرته.
٣ - أجمع طرق الحديث من المصادر المتوافرة لدي قدر الاستطاعة، ثم أقوم بتصنيف هذه الطرق حسب اتفاق الرواة واختلافهم على راوٍ معين.
٤ - أجمع أقوال الأئمة على الحديث سواء من مصادر التخريج، أو من كتب الرجال والعلل، أو من غيرها.
1 / 17
٥ - أسترشد بأقوال الأئمة في استنباط العلة، محاولًا تفسير كلامهم ليظهر مقصودهم، إن كان فيه خفاء.
٦ - إذا اتفقت أقوال الأئمة على حديث وجب المصير إلى قولهم، كما قررته آنفًا.
٧ - إذا اختلفوا حاولت الجمع بين أقوالهم، فإن لم يتيسر ذلك، رجحت أحد الأقوال مستعينًا في ذلك بطرائقهم في التصحيح والإعلال حسب ما يظهر من قرائن الترجيح، والله أعلم.
وقد سميته: "فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبى داود".
وقبل أن أختم كلامي أتمثل بقول الشاطبي رحمه الله تعالى:
وظُنَّ به خيرًا وسامح نسيجه ... بالإغضاء والحسنى وإن كان هَلهلا
وسلِّم لإحدى الحسنيين: إصابةٌ ... والأُخرى اجتهادٌ رام صوبًا فأمحلا
وإن كان خرقٌ فادَّركْه بفضلةٍ ... من الحلم وليُصلحه من جاد مِقْوَلا
وقل صادقًا لولا الوئامُ وروحُه ... لطاح الأنام الكلُّ في الخُلف والقِلا
وعشْ سالمًا صدرًا وعن غِيبة فَغِبْ ... تحضَّر حِظارَ القُدس أنقَى مُغَسَّلا
والله تعالى أسأل أن يوفقني للصواب، إنه سميعٌ مجيب الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حرره:
أبو عمرو ياسر بن محمد فتحي آل عيد
الرياض ١٥ شعبان ١٤٢٨ هـ
fathy.yaser@gmail.com
1 / 18
١ - كتاب الطهارة
١ - باب التخلي عند قضاء الحاجة
١ - . . . محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي ﷺ كان إذا ذهب المذهب أبعد.
• حديث صحيح
أخرجه الترمذي (٢٠)، والنسائي (١/ ١٨/ ١٧)، وابن ماجه (٣٣١)، والدارمي (١/ ١٧٦/ ٦٦٠)، وابن خزيمة (٥٠)، وابن الجارود (٢٧)، والحاكم (١/ ١٤٠)، وأحمد (٤/ ٢٤٨)، وابن المنذر في الأوسط (١/ ٣٢١)، والطبراني في الكبير (٢٠/ ٤٣٦ - ٤٣٧/ ١٠٦٢ - ١٠٦٥)، والبيهقي (١/ ٩٣)، والبغوي في شرح السُّنَّة (١٨٤).
وزاد عند النسائي: ... قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره فقال: "ائتني بوَضوء"، فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على الخفين.
قال الترمذي: "حسن صحيح".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم".
قلت: هو كما قال الترمذي، وليس كما قال الحاكم، فإن مسلمًا لم يخرج شيئًا بهذا الإسناد.
ومحمد بن عمرو: هو ابن علقمة بن وقاص الليثي: وهو صدوق، حسن الحديث، مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن [انظر: التهذيب (٧/ ٣٥٢)، الميزان (٣/ ٦٧٣)].
ومما يدل على أنه حفظ هذا الحديث، ولم يهم فيه أمور:
الأول: أنه لم يسلك فيه الجادة، فلم يقل: عن أبي هريرة.
الثاني: أنه لم ينفرد بهذا المتن عن المغيرة بن شعبة، فقد تابعه عليه:
١ - أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي ﷺ في سفر فقال: "يا مغيرة! خذ الإداوة" فأخذتها ثم خرجت معه، فانطلق رسول الله ﷺ حتى توارى عني، فقضى حاجته ... الحديث.
أخرجه البخاري (٣٦٣)، ومسلم (٢٧٤/ ٧٧)، وأبو عوانة (١/ ١٦٦/ ٤٨٨) و(١/ ٢١٦/ ٧٠٣)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (١/ ٣٢٨/ ٦٣٠)، والنسائي في
1 / 19
الكبرى (٥/ ٤٨١/ ٩٦٦٤)، وأحمد (٤/ ٢٥٠)، وابن أبي شيبة (١/ ١٠١ و١٦٢)، والطبراني (٢٠/ ٣٩٨/ ٤٤)، وغيرهم.
٢ - عامر الشعبي قال: أخبرني عروة بن المغيرة، عن أبيه، قال: كنت مع النبي ﷺ ذات ليلة في مسير، فقال لي: "أمعك ماء؟ " قلت: نعم، فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى في سواد الليل، ثم جاء ... الحديث.
أخرجه البخاري (٥٧٩٩)، ومسلم (٢٧٤/ ٧٩)، وأبو عوانة (١/ ١٦٦ و٢١٥/ ٤٨٩ و٦٩٩)، وأبو نعيم (١/ ٣٢٩/ ٦٣١)، والنسائي (١/ ٦٣/ ٨٢)، والدارمي (١/ ١٩٤/ ٧١٣)، وأحمد (٤/ ٢٥١ و٢٥٥)، والطبراني (٢٠/ ٨٦٤ و٨٦٨ و٨٧٠)، والبيهقي (١/ ٢٨١)، وغيرهم.
٣ - عبيد الله بن إياد قال: سمعت إيادًا يحدث عن قبيصة بن برمة، عن المغيرة، بنحوه، وفيه موضع الشاهد.
أخرجه أحمد (٤/ ٢٤٨)، ورجاله ثقات.
٤ - ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة، قال: "كان النبي ﷺ إذا تبرز تباعد".
أخرجه الدارمي (٦٦١)، والطبراني في الأوسط (٧/ ٣٥٦/ ٧٧١٦).
- وفي سنده اختلاف. انظر: النسائي (٨٢)، والطبراني.
وله شواهد: منها حديث عبد الرحمن بن أبي قراد:
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (٥/ ٢٤٤)، والنسائي (١/ ١٧/ ١٦)، وابن ماجه (٣٣٤)، وابن خزيمة (٥١)، وأحمد (٣/ ٤٤٣) و(٤/ ٢٢٤ و٢٣٧)، وابن قانع في المعجم (٢/ ١٤٦).
وشاهده: "وكان إذا أراد الحاجة أبعد".
ورجاله ثقات.
* * *
٢ - . . . إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: أن النبي ﷺ كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد.
• حديث منكر
أخرجه ابن ماجه (٣٣٥)، ولفظه: خرجنا مع رسول الله ﷺ في سفرٍ، وكان رسول الله ﷺ لا يأتي البَرازَ حتى يتغيَّبَ فلا يُرَى، والدارمي (١/ ٢٣/ ١٧) مطولًا، وأوله بنحو لفظ ابن ماجه. وابن أبي شيبة (١/ ١٠١) مختصرًا و(٦/ ٣٢١) مطولًا، وعبد بن حميد (١٠٥٣) مطولًا، وأبو العباس السراج في مسنده (١٦)، وابن عبد البر في التمهيد (١/ ٢٢٣) مطولًا، والبغوي في شرح السُّنَّة (١٨٥).
1 / 20
وهذا قد تفرد به إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء، والأكثر على تضعيفه، وهو ممن يكتب حديثه كما قال البخاري وابن عدي [التهذيب (٣٢٧/ ١)]؛ تفرد به عن أبي الزبير دون بقية أصحابه على كثرتهم.
والمحفوظ في ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه (٣٠١٢ - ٣٠١٤) من طريق يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جابرٍ، فلم يذكر فيه قصة الصبي والطير والجمل، وإنما ذكر قصة الشجرتين وفوران الماء من بين أصابعه ﷺ.
والشاهد منه قوله: سرنا مع رسول الله ﷺ حتى نزلنا واديًا أفيح، فذهب رسول الله ﷺ يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله ﷺ فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي ... فذكر قصة الشجرتين وفيه قوله: فخرجتُ أُحضِرُ مخافةَ أن يُحِسَّ رسولُ الله ﷺ بقربى فيبتعد [وفي رواية: فيتبعَّد] ... الحديث.
وانظر: تخريج الذكر والدعاء (٤/ ١٢٧٩).
قال ابن المنذر في الأوسط (١/ ٣٢١): "ثابت عن رسول الله ﷺ أنه كان اذا أراد حاجته أبعد في المذهب.
وثبت عنه أنه أراد البول فلم يتباعد عنهم. والذي يستحب: أن يتباعد من أراد الغائط عن الناس، وله أن يبول بالقرب منهم".
• والحديث الذي أشار اليه:
حديث حذيفة بن اليمان، قال: كنت مع النبي ﷺ فانتهى إلى سُباطة قومٍ، فبال قائمًا، فتنحَّيْتُ، فقال: "ادنه" فدنوت، حتى قمتُ عند عقبيه، فتوضأ، فمسح على خفيه.
أخرجه البخاري (٢٢٤ و٢٢٥ و٢٢٦ و٢٤٧١)، ومسلم (٢٧٣)، وأبو عوانة (١/ ١٦٩/ ٤٩٨ - ٥٠٤)، وأبو نعيم (١/ ٣٢٦/ ٦٢٥ و٦٢٦)، وأبو داود (٢٣)، والترمذي (١٣)، والنسائي (١/ ١٩ و٢٥/ ١٨ و٢٦ - ٢٨)، وابن ماجه (٣٠٥ و٣٠٦ و٥٤٤)، والدارمي (١/ ١٧٩/ ٦٦٨)، وابن خزيمة (٦١)، وابن حبان (٤/ ٢٧٢ - ٢٧٧/ ١٤٢٤ - ١٤٢٩)، وابن الجارود (٣٦)، وأحمد (٥/ ٣٨٢ و٣٩٤ و٤٠٢)، والطيالسي (٤٠٦)، والحميدي (٤٤٢)، والبيهقي (١/ ١٠٠ و١٠١ و٢٧٠ و٢٧٤)، والبغوي في شرح السُّنَّة (١٩٣)، وغيرهم.
• وفي الباب:
١ - قال ابن ماجه (٣٣٣): حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب: حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن يونس بن خباب، عن يعلى بن مرة: أن النبي ﷺ كان إذا ذهب الى الغائط أبعد.
وهدا إسناد ضعيف؛ لضعف يونس بن خباب. ويحيى بن سليم: سيئ الحفظ؛ إلا أنه كان قد أتقن حديث ابن خثيم. ويعقوب بن حميد: كان كثير الغرائب.
1 / 21
٢ - عبد الله بن كثير بن جعفر: ثنا كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، عن بلال بن الحارث المزني: أن رسول الله ﷺ كان إذا أراد الحاجة أبعد.
أخرجه ابن ماجه (٣٣٦)، والطبراني في الكبير (١/ ٣٧١/ ١١٤٢ و١١٤٣)، وابن عدي (٦/ ٦٢).
وهذا إسناد واهٍ جدًّا؛ كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف: متروك [التهذيب (٦/ ٥٥٨)، الميزان (٣/ ٤٠٦)، المغني (٢/ ٢٢٧)].
وأبوه: ليس له راوٍ إلا ابنه هذا [الميزان (٢/ ٤٦٧)، التهذيب (٤/ ٤١٧)].
وعبد الله بن كثير بن جعفر: روى عنه جماعة ولم يوثق.
قال ابن عدي بعد أن أورد هذا الحديث في ترجمة كثير بن عبد الله: "وعامة أحاديثه التي قد ذكرتها، وعامة ما يرويه: لا يتابع عليه".
٣ - عمرو بن هاشم الحراني: ثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، عن عبد الله بن العلاء بن زَبَر، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الملك بن مروان، أنه قال وهو على المنبر: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله ﷺ إذا أراد الحاجة أبعد.
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (١/ ٧٩٧/٤٥١).
وإسناده ليس بذاك عبد الملك بن مروان، وعثمان الطرائفي، وعمرو بن هاشم: متكلم فيهم.
٤ - سعد بن طريف الإسكاف، عن عكرمة، عن ابن عباس، بمثل الذي قبله، مرفوعًا، وفيه قصة منكرة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (٩/ ١٢١/ ٩٣٠٤).
وهو حديث منكر؛ لتفرد سعد بن طريف به عن عكرمة. وسعد هذا: متروك، ورماه ابن حبان بالوضع [التقريب (٣٦٩)].
٥ - عن ابن مسعود بنحوه، وفيه قصة الشجرتين والبعير.
أخرجه الطبراني في الأوسط (٩/ ٨١/ ٩١٨٩).
وفي إسناده: يونس بن خباب، وزمعة بن صالح، وأبو قرة، ولا يصح هذا.
٦ - روى الحاكم (٤/ ٧٠)، وابن سعد في الطبقات (١/ ١٥٧) و(٨/ ٢٤٦):
عن محمد بن عمر الواقدي: حدثني علي بن محمد بن عبيد الله العموي: حدثني منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية، عن برَّة بنت أبي تجراة، قالت: إن رسول الله ﷺ حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة؛ كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يَرَى بيتًا، ويفضي إلى الشعاب، وبطون الأودية، فلا يمر بحجرٍ ولا بشجرةٍ إلا قالت: السلام عليك يا رسول الله، وكان يلتفت عن يمينه وعن شماله وخلفه فلا يرى أحدًا.
وهذا إسناد واهٍ؛ الواقدي: متروك، وعلي بن محمد العمري: لم أر من ترجم له.
ورواه الفاكهي في أخبار مكة (٥/ ٩٥/ ٢٩٠٢) عن الربعي عبد الله بن شبيب [وهو
1 / 22
واهٍ أيضًا، كان ممن يسرق الأخبار. الميزان (٢/ ٤٣٨)، اللسان (٤/ ٤٩٩)،: ثنا ابن أبي أويس: ثني مسلم بن خالد، عن داود بن عبد الرحمن، عن منصور، بنحوه.
* * *
٢ - باب الرجل يتبوأ لبوله
٣ - قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد: أخبرنا أبو التياح، قال: حدثني شيخ قال: لما قدم عبد الله بن عباس البصرة، فكان يحدث عن أبي موسى، فكتب عبد الله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء، فكتب إليه أبو موسى: إني كنت مع رسول الله ﷺ ذات يوم، فأراد أن يبول فأتى دَمِثًا في أصل جدارٍ، فبال، ثم قال ﷺ: "إذا أراد أحدُكم أن يبولَ؛ فلْيَرْتَدْ لبوله موضعًا".
• حديث منكر
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في سننه الكبرى (١/ ٩٣).
ورواه شعبة بن الحجاج، عن أبي التياح: حدثني رجل أسود طويل -قال: جعل أبو التياح ينعته-، أنه قدم مع ابن عباس البصرة، فكتب إلى أبي موسى، فكتب إليه أبو موسى: أن رسول الله ﷺ كان يمشي فمال إلى دَمِثٍ في جنب حائطٍ فبال، ثم قال: "كان بنو إسرائيل إذا بال أحدهم؛ فأصابه شيء من بوله؛ يتبعه، فقرضه بالمقاريض" وقال: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله".
أخرجه الحاكم (٣/ ٤٦٥ - ٤٦٦)، وأحمد (٤/ ٣٩٦ و٣٩٩ و٤١٤)، والطيالسي (٥١٩)، والروياني (٥٥٨)، وابن المنذر في الأوسط (١/ ٣٢٩)، والبيهقي (١/ ٩٣).
وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل شيخ أبي التياح المبهم؛ فإنى لإسناده الصحة التي وصفه بها الحاكم حيث قال: "صحيح الإسناد".
• والمحفوظ عن أبي موسى: هو ما رواه منصور، عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى يشدد في البول، ويبول في قارورة، ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلدَ أحدِهم بولٌ قرضه بالمقاريض. فقال حذيفة: لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد رأيتني أنا ورسول الله ﷺ نتماشى، فأتى سُباطةً خلف حائطٍ، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه، فأشار إليَّ فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ.
أخرجه البخاري (٢٢٦)، ومسلم (٢٧٣/ ٧٤)، وأبو نعيم (٦٢٦)، وابن حبان (١٤٢٩)، وابن أبي شيبة (١/ ١١٥)، والروياني (٢٥٩) وغيرهم. وقد تقدم تخريجه قريبًا.
فحكاية فعل بني إسرائيل: موقوف من كلام أبي موسى، وقد ورد مرفوعًا فيما رواه الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة، قال: انطلقت أنا وعمرو بن
1 / 23
العاص إلى النبي ﷺ، فخرج ومعه درقة، ثم استتر بها، ثم بال، فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فسمع ذلك، فقال: "ألم تعلموا ما لقِيَ صاحبُ بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البولُ قطعوا ما أصابه البولُ منهم، فنهاهم، فعذب في قبره".
أخرجه أبو داود (٢٢)، والنسائي (١/ ٢٧/ ٣٠)، وابن ماجه (٣٤٦)، والحاكم (١/ ٢٩٤)، وأحمد (٤/ ١٩٦)، والحميدي (٨٨٢)، وابن أبي شيبة (٣/ ٥١)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٥/ ٥٢/ ٢٥٨٨)، وأبو يعلى (٩٣٢)، والبيهقي (١/ ١٠٤).
وهذا إسناد صحيح، إن كان زيد بن وهب سمعه من عبد الرحمن بن حسنة، فإن زيدًا: ثقة مخضرم.
• وأما الاستتار من البول: فثابت في أحاديث، منها:
حديث ابن عباس: قال: مر رسول الله ﷺ على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله".
متفق عليه [البخاري (٢١٦ و٢١٨ و١٣٦١ و١٣٧٨ و٦٠٥٢ و٦٠٥٥)، مسلم (٢٩٢)].
* * *
٣ - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء
٤ - قال أبو داود: حدثنا مُسدَّد بن مُسَرْهَد: ثنا حماد بن زيد وعبد الوارث، عن عبد العزيز بن صُهَيْب، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء -قال عن حماد-: قال: "اللَّهُمَّ إني أعوذ بك -قال عن عبد الوارث-: قال: أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث".
• متفق عليه
أخرجه من طريق حماد بن زيد:
مسلم (٣٧٥)، وأبو عوانة (١/ ١٨٤/ ٥٧٧)، وأبو نعيم في مستخرجه (١/ ٤٠٨/ ٨٢٤)، والترمذي (٦)، والدارمي (١/ ١٨٠/ ٦٦٩)، وأبو يعلى (٧/ ٣٤/ ٣٩٤٠)، وأبو العباس السراج في مسنده (٢٧)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (٤٦٦ و١٨٩٦)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (١٤٢٧)، وابن المنذر في الأوسط (١/ ٣٢٤/ ٢٥٨)، والطبراني في الدعاء (٣٥٩)، والبيهقي في السنن (١/ ٩٥)، وفي الدعوات الكبير (٥٥)، والرافعي في التدوين (٣/ ٢٢٣).
قال الترمذي: "حسن صحيح".
وأخرجه من طريق عبد الوارث بن سعيد:
النسائي في الكبرى (٧/ ٧٦١٧/١٢٥) و(٩/ ٩٨١٩/٣٤)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (٥)، والطبراني في الدعاء (٣٥٩)، والبيهقي في السنن (١/ ٩٥).
* * *
1 / 24