المطلب الخامس
علمها باللُّغة والشِّعر
كانت أُمّ المؤمنين عَائِشَة ﵂ على درجة عالية من الفصاحة والبلاغة، ومعرفة الشعر، فعن موسى بن طلحة قال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَة» (١).
"وفصاحة عَائِشَة ﵂ لا يختلف فيها اثنان، فإنها كانت حافظة للشعر وترويه، وكان رسول الله ﷺ يسر لسماعه منها ويستزيدها منه، ومَلَكة الشعر عندها وراثية، فأبوها كان يحفظ الشعر كذلك ويصحح أوزانه، وأخوها عبد الله ينظمه، وكان لبيد أكثر من تحبه من الشعراء، وروت له نحو ألف بيت، وكانت توصى الناس أن يعلّموا أولادهم الشعر لتعذُب ألسنتهم، وما كان ينزل بها أمر إلا أنشدت فيه شعرًا.
ومن فصاحتها وبلاغتها أنها إذا استثيرت يعلو كلامها ويفخم، كأنما تصدر به عن ثقافتها الأصلية وعلومها الوفيرة، فلما توفي أبوها رثته رثاءٌ يكشف عن آدابها العالية" (٢)، قالت ﵂: «رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَتِ! لَقَدْ قُمْتَ بِالدِّينِ حِينَ وَهَى شُعَبُهُ، وَتَفَاقَمَ صَدْعُهُ، وَرَحُبَتْ جَوَانِبُهُ، وَبَغَضْتَ مَا أَصْغُوا إِلَيْهِ، وَشَمَّرَتَ فِيمَا وَنُوا عَنْهُ، وَاسْتَخْفَفْتَ مِنْ دُنْيَاكَ، مَا اسْتَوْطَنُوا، وَصَغَّرْتَ مِنْهَا مَا عَظَّمُوا، وَلَمْ تَهْضِمْ دِينَكَ،