Dustur des savants
دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون
Maison d'édition
دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت
Numéro d'édition
الأولى، 1421هـ - 2000م
Genres
المعتزلة وهم النظام والعلاف وأبو القاسم البلخي والجاحظ القائلين بأن الإرادة عين العلم بما في الفعل من المصلحة. أما وجه الرد الأول فإنهما مترادفان فقدم أحدهما مستلزم لقدم الآخر وحدوث أحدهما لحدوث الآخر فالقول بحدوث أحدهما وقدم الآخر ليس بصحيح لكن لا يخفى أن لهم أن يمنعوا الترادف. وأما وجه الرد الثاني فإن الإرادة والمشيئة مترادفتان وقد تقرر أن المشيء لا يتخلف عن المشيئة لقوله تعالى {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} . فالمراد أيضا لا يتخلف عن الإرادة وأنه تعالى أمر كل مكلف بالإيمان ولم يوجد المأمور به عن البعض فلو كان الإرادة والمشيئة عين الأمر لما تخلف المأمور به عن الأمر لأن المراد لا يتخلف عن الإرادة.
والجواب: بأنا لا نسلم عدم تخلف المشيء والمراد عن المشيئة والإرادة لجواز أن يأول قوله عليه الصلاة والسلام ما شاء الله كان وما اشتهر من السلف والخلف ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. بمشيئة قسر عدول عن الظاهر بلا ضرورة نعم يرد المنع بأنا لا نسلم اتحاد المشيئة والإرادة بأن المشيء لا ينفك عن المشيئة والمراد ينفك عن الإرادة كيف وتخلف المراد عن الإرادة جائز عندهم لأنهم يقولون إن الله تعالى أراد إيمان الكافر وطاعته لكنه لم يقع. وأما الثالث أي إثبات أن العلم غير الصفة التي ترجح أحد المقدورين بالوقوع فإن العلم لو كان عين الإرادة فلا يخلو إما أن يكون مرجح أحد الطرفين العلم بنفس حقيقة المقدور أو العلم بوقوعه ووجوده في الخارج وكلاهما لا يصير مخصصا. أما الأول فلأنه عام شامل للواقع وغيره فإنه تعالى يعلم الممكن والممتنع والواجب فلا يكون مخصصا له وهو ظاهر. وأما الثاني فلأن العلم بوقوع الشيء فرع وتابع لكونه مما يقع في الحال أو في الاستقبال فإن المعلوم هو الأصل والعلم صورة له وظل وحكاية عنه سواء كان مقدما عليه وهو الفعلي أو مؤخرا عنه وهو الانفعالي والصورة والحكاية عن الشيء فرع ذلك الشيء حتى لو لم يكن ذلك الشيء بتلك الحيثية التي تعلقت به العلم لا يكون علما بل جهلا. وإذا كان العلم بوقوع الشيء مما يقع فلا يكون عين الإرادة التي كون الشيء مما يقع فرع وتابع له.
فإن قيل: الإرادة من حيث هي إرادة نسبتها إلى الضدين وإلى الأوقات سواء إذ كما يجوز تعلقها بهذا الضد يجوز تعلقها بالضد الآخر وكما يجوز إرادة وقوع واحد منهما في وقت يجوز إرادة وقوعه في وقت آخر فيعود الكلام فيها فيقال لا بد للتخصيص من مخصص مغائر للعلم والقدرة والإرادة فيثبت صفة رابعة ويلزم التسلسل.
وحاصل الاعتراض: إن تساوي نسبة الإرادة إلى التعلقين يحتاج إلى مخصص آخر فيتسلسل وإن لم تتساو نسبتها فيلزم الإيجاب.
قلنا: نختار الشق الأول ونمنع لزوم الاحتياج إلى مخصص آخر فإن الإرادة صفة من شأنها صحة الفعل والترك فيصح تخصيصها مع استواء نسبتها إلى الضدين من غير
Page 54