Chemins postmodernes

Badr Din Mustafa d. 1450 AH
81

Chemins postmodernes

دروب ما بعد الحداثة

Genres

Representation

هو أحد المفاهيم الحاضرة في تاريخ الفنون والنظريات الجمالية حضورا كبيرا منذ أفلاطون وحتى القرن العشرين. ويعني التمثيل أن الوعي الإنساني يمثل موضوعات العالم الخارجي ويخلق بداخله صورة ذهنية عنها، هذه الصورة تتعرض لتحولات معرفية عديدة بحيث تصبح مكونا رئيسا من مكونات الإنسان المعرفية، وتتحكم بالتالي في رؤيته للعالم، ومن ثم آراؤه وتصوراته عنه. كانت علاقة الإنسان - قبل ابتكار الصورة وتقنيات صناعتها - بتلك الموضوعات علاقة مباشرة دون وسيط، وبالتالي كانت الصورة الذهنية مطابقة في واقع الأمر للموضوع الذي تجسده (إذا رمزنا للموضوع الخارجي ب «أ »، فإن الصورة الذهنية الناتجة عن التمثيل الذهني له ستصبح «أ» أيضا) بمعنى أن هناك علاقة هوية بين الموضوع الخارجي والصورة الذهنية التي تمثله. على هذا الأساس أسس أرسطو لمنطق الهوية وجعله أحد القوانين الرئيسة للعقل الإنساني.

لكن مع اعتماد الصورة كوسيلة معرفية أساسية وخاصة مع ظهور وسائل الإعلام، ستتغير تلك المعادلة (لن تصبح «أ» في علاقة هوية مع «أ») ثمة وسيط دخل بين الموضوع وتمثله، وسيترتب على دخول هذا الوسيط حدوث اختلال ما في المعادلة التمثيلية؛ فالصورة كوسيط هنا بين الموضوع والذات التي تتمثله، لا تنقل هذا الموضوع بطريقة محايدة بريئة، كما العين الإنسانية. فالواقع أنه لا توجد صورة بريئة، تماما كما لا توجد كاميرا محايدة. وهناك مبدأ معروف في الإعلام المعاصر يقول: «ليس المهم أن تنقل الحدث ولكن الأهم كيف تنقل الحدث.» تحولت الواقعة إذا من كونها واقعة محايدة تكون علاقة الإنسان بها علاقة مباشرة، إلى كونها واقعة مجسدة في صورة تحمل بداخلها رسالة، وتكون هذه الرسالة فاعلة ومؤثرة في تشكيل الواقع.

ويبدو فن التصوير، عبر تاريخه، من أكثر الفنون التي ارتبطت بمفهوم التمثيل، وذلك نظرا لطبيعته التي ارتبطت منذ نشأته بتصوير أشياء وموضوعات تمت بصلة قوية للعالم الخارجي، وبالتالي فإن المشاهد، غالبا، ما يقوم باستحضار الموضوع المناظر للشيء الذي تجسده اللوحة، ويبحث في اللوحة عن مدى مطابقتها لهذا الموضوع. ويبدو هنا مدى توافق منطق الهوية، والبحث عن أساس، بالصورة التي تحدثنا عنها، مع رؤية المتلقي العادي الذي يبحث عن التشابه والتوافق، بين ما يشاهده وبين الأشياء كما يألفها في العالم الخارجي. هنا يتضح أن منطق الهوية متغلغل في العقل الإنساني، بوصفه قانونا من قوانينه. لكن هذا القانون قد عطل مسيرة التلقي الجمالي، بالإضافة بالطبع إلى تأثيره القوي على النظرية الجمالية ، والدليل الأكبر على ذلك أن مشكلة التمثيل في الفن من أقدم وأهم المشكلات، ولا يوجد فيلسوف جمال إلا وتعرض لها.

ومثل النقلة التي حدثت في الفلسفة من منطق الهوية إلى منطق الاختلاف، فإن تاريخ فن التصوير هو ذاته تاريخ الانتقال من النزعة التمثيلية إلى النزعة اللاتمثيلية «إن التخلي عن المجاز البسيط هو الحقيقة العامة في الفن الحداثي، كما أنه كان حقيقة فن التصوير ككل، وفي كل زمان.»

40

فالتصوير الحداثي يصل بدحض التمثيل إلى أبعد الحدود.

بالإضافة إلى ما أحدثه اكتشاف قوانين المنظور في فن الرسم الكلاسيكي من ثورة على مفهوم التمثيل - إذ الحديث عن «رؤية منظورية» للمكان لا يصح إلا عندما يتجاوز الرسام التمثيل البسيط الذي يكتفي «بتقليص» الموضوعات الخارجية، ويعمد على عكس هذا إلى تحويل لوحته في كليتها إلى «نافذة»،

41

نلقي فيها ببصرنا على المكان فنحوم في أرجائه بالكيفية نفسها التي يريد أن يخلقها عندنا الرسام؛ فإن ما أحدثه فن الباروك لا يقل أهمية عن هذا الاكتشاف «لقد ساهم فن الباروك

Page inconnue