Chemins postmodernes

Badr Din Mustafa d. 1450 AH
61

Chemins postmodernes

دروب ما بعد الحداثة

Genres

في الفصل السابق ونحن بصدد الحديث عن مناهضة ما بعد الحداثة للتصور الحداثي للعقل ومفهوم النسق، أشرنا إلى أنه ينظر إلى «ما بعد الحداثة» على أنها «حركة جمالية»؛ أي أنها تعلي من الشأن الجمالي على العقلاني، ومن الجانب الشعوري على الفكري. كما أن الخطاب ما بعد الحداثي في الأصل نشأ داخل الفن ... نشأ كحركة فنية ثم انتقل تأثيره إلى المجالات الثقافية الأخرى. والواقع أنه في النصف الثاني من القرن العشرين نستطيع أن نشهد تغييرين رئيسين في المجال الفني: الأول على مستوى «النظرية الجمالية»، والثاني على مستوى «الممارسة الفنية»، وربما تكون التغيرات التي حدثت في هذه الأخيرة هي المسئولة عن التغيرات التي حدثت على المستوى «النظري». هذه التغيرات لم تحدث بطريقة مفاجئة، إنما سبقتها إرهاصات عديدة بدأت مع بدايات القرن العشرين، عندما دخلت متغيرات جديدة في المعادلة الجمالية، لاقت ترحيبا كبيرا من بعض الفنانين والكثير من المتلقين. يقول جيمسون: «إن طبيعة التلقي والإنتاج الفني، في عصرنا، مرت بتغير جوهري جعل القواعد والنماذج القديمة غير ذات معنى بالنسبة لها، أو على الأقل موضة قديمة أو مهجورة.»

1

تبدو العلاقة بين ما بعد الحداثة ك «حركة فلسفية» وما بعد الحداثة ك «حركة فنية»، ملتبسة بعض الشيء؛ إذ لا توجد نصوص صريحة لفلاسفة ما بعد الحداثة تدافع عن التغيرات التي لحقت بمفهوم الفن أو تهاجمها، كما أن «النظرية الجمالية» بمعناها التقليدي قد فقدت بريقها وحل محلها مجموعة من التأملات والتحليلات لبعض الأعمال الفنية - خاصة الأدبية - مما أدى إلى طغيان الجانب التطبيقي على الجانب النظري، وربما أدى هذا إلى صعوبة استخلاص نظرية جمالية عامة لأي من منظريها. لكن مع ذلك يمكن القول إن هناك تلاقيا واضحا بين المقولات التي ينادي بها فلاسفة ما بعد الحداثة والتغيرات التي طرأت على مجال الفنون، ثمة تواؤم وتصالح بين الاثنين، بل إن المقولات التي أفرزتها الفنون المختلفة وأصبحت تتحرك من خلالها وفي ضوئها، هي نفسها المقولات والقيم التي ناقشناها في الفصل السابق. وفي هذا يقول بريان ماسومي: «إن المفاهيم التي طرحها دولوز وجاتاري تتقاطع مع كل النتاج الفني ما بعد الحداثي.»

2

يهدف هذا القسم إلى تتبع التغيرات التدريجية التي لحقت بمفهومي الفني والاستطيقا، وعلاقة ذلك بالتأملات النظرية الجمالية لفلاسفة ما بعد الحداثة، وخاصة دولوز. (1) معادلة بودلير

في أوائل الستينيات من القرن العشرين، نشر ليونارد ماير

L. Mayer

دراسته الشهيرة «نهاية عصر النهضة» التي قال فيها إن مفهوما جديدا للجمال يولد آنئذ، هذا المفهوم يتنكر لمبدأ الغائية ويكرس فنا لا يهدف إلى شيء. وفي علم الجمال الجديد، حسب ماير، لم يعد الإنسان هو المعيار الذي تقاس به الأشياء والموجودات؛ لأنه ببساطة لم يعد مركز الكون، كما ذهب فلاسفة الحداثة، ولهذا فإن علينا أن نستعيد إحساسنا بالأشياء من خلال إعادة اكتشاف الواقع والإنصات الجيد للحياة؛ الاستمتاع بالصوت كما هو، واللون كما هو، والوجود والموجودات كما هي. وبشر بولادة فن ديمقراطي جديد بوسعه أن يذيب الجدر الغليظة بين الثقافة العليا

high culture

وثقافة الجماهير

Page inconnue