Fukuyama «نهاية التاريخ»، ويعلن فوكو «موت الإنسان»، ويحدثنا رورتي عن «نهاية الفلسفة النسقية». وفي نفس السياق يحاول «فاتيمو» حصر ظاهرة ما بعد الحداثة على المستوى الفكري في خمسة مبادئ هي: نهاية الفن وأفوله - موت النزعة الإنسانية - العدمية - نهاية التاريخ - تجاوز الميتافيزيقا.
53
وهي كلها تنويع على فكرة النهايات. لا يوجد علم أو فلسفة أو فن، بل إعلان النهاية لكل شيء؛ «دق أجراس الموت» بتعبير دريدا. ومع ذلك لا نستطيع أن نقول إن كل فلاسفة ما بعد الحداثة نادوا بفكرة النهايات؛ فجيل دولوز، على سبيل المثال، من الفلاسفة القلائل الذين لم يولوا فكرة النهايات أية أهمية؛ لذا فهي غير حاضرة في نصوصه، وهو يقول في الحوار الذي أجراه معه فرانسوا إوالد: «لم أهتم بتجاوز الميتافيزيقا أو بموت الفلسفة قط. فللفلسفة وظيفة تظل حاضرة تماما، وهي خلق المفاهيم، ولا يمكن لأحد أن ينوبها في ذلك.»
54
وفي موضع آخر يقول: «إن مستقبل الفلسفة لم يكن أبدا مشكلة بالنسبة لنا، وما يقال عن نهايتها أو موتها، هو فقط لحظة يأس وإرهاق.»
55
وقد خصص دولوز كتابه «ما الفلسفة؟»
Qu’est-ce que la philosophie?
لمناقشة هذه الإشكالية، وقد طرح السؤال عن ماهية الفلسفة من أجل تأكيد دورها في ظل تنامي هذه الروح العدمية. ومع ذلك تظل هذه الروح هي السائدة في النص ما بعد الحداثي. وسيكون لها بالتالي العديد من النتائج؛ أولا: افتقاد النص ما بعد الحداثي لروح النقد، ليس نقد الحداثة بطبيعة الحال، وإنما نقد الأوضاع والسياسات الراهنة؛ لذا يعمد معظم فلاسفة ما بعد الحداثة إلى استخدام منهج وصفي خالص للظواهر دون محاولة الانتقال إلى مستوى التحليل النقدي. ثاني هذه النتائج، انهيار فكرة التقدم الخطي للتاريخ؛ فالتاريخ الإنساني، مفتوح على احتمالات متعددة، قد يتقدم، ولكنه قد يتراجع أيضا - كما حدث في الحربين العالميتين. وكما لاحظ أدورنو من قبل فإن التقدم البشري له تاريخ بالفعل، إنه التاريخ الذي انتقل «من المقلاع إلى القنبلة الذرية».
56
Page inconnue