16
لقد أصبح واضحا آنذاك أن مأزق الحداثة الحقيقي هو أنها تبنت شعارات غير قابلة للتحقيق في مجتمع تسيطر عليه الآلة الرأسمالية ... وقد وجد بعض نقاد الحداثة
17
في قصة فاوست
Faust
لجوته
Goethe
معبرا جيدا عن المأزق الحداثي: ففاوست هو البطل الملحمي المستعد لهدم الخرافات الدينية، والقيم التقليدية والتقاليد، من أجل بناء عالم جديد شجاع من رماد العالم القديم. ولهذا يسعى فاوست، ومعه كل الآخرين (بمن فيهم الشياطين)، بالفكر والعمل، من أجل بلوغ الحد الأقصى من التنظيم، وصولا إلى السيطرة على الطبيعة، وخلق عالم جديد، رائع وسام، يفجر ويستوعب كل الطاقات الكامنة ... عالم كفيل بتحرير البشرية من الفاقة والحاجة (التي هي نفسها، لو لاحظنا، نفس أهداف المشروع الحداثي). ولإظهار إرادة التغيير هذه، لا يتورع فاوست، رغم ما يبديه من رعب، عن ترك شياطينه تقتل زوجين متحابين طاعنين في السن، يعيشان في كوخ صغير على شاطئ البحر، لا لسبب إلا لكونهما ببساطة لم يعودا ملائمين للعيش طبقا لتصميم العالم الجديد؛ هذا هو مأزق الحداثة كما تصوره جوته في فاوست.
يضاف إلى ما سبق تنامي وتضخم الرأسمالية العالمية، وبحسب دولوز،
18
Page inconnue