تقديم:
هذا الكتاب واحد من عطاءات أسلافنا المتميزة في موضوعه ومنهجه؛ فموضوعه مدينة رسول الله ﷺ، التي يطول الحديث عن قدسيتها ومكانتها في قلوب المسلمين، ومنهجه شمولي؛ يضم التاريخ، والجغرافيا، والخصائص، والتراجم، وشيئا من الحديث النبوي.
فتراه في بعض الأبواب يتتبع التاريخ البعيد للمدينة في مرحلة تأسيسها، ويعرض الروايات التي تناقلها الرواة والأخباريون - وربما القصاصون - عن الأقوام الذين واكبوا طفولتها، ويقفز إلى عصرها الذهبي في عهد النبوة، وينقل قدرا من أخباره ولا يتجاوزه، وكأنه أراد أن تبقى تلك الصورة المتألقة للمدينة في نفوس من يقرأ الكتاب، ويؤكد ذلك بالوقوف عند ما يسميه أهل السير بالخصائص؛ فيسوق الأحاديث والأخبار عن فضائلها، وحدود حرمها، ويتخذ من موضوع الحرم معبرا إلى الحديث عن أهم مواقعها، ويركز على ما ارتبط بالقداسة، أو ما ذكرت الروايات له فضائل خاصة؛ كالمسجد النبوي، ومسجد قباء، ويعرج على الآبار والأودية، ويعرضها بالأسلوب نفسه، ثم يفسح للعنصر البشري مكانا واسعا؛ فيخصه بباب يتحدث فيه عن أشهر الأعلام الذين عاشوا وتوفوا فيها من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ورغم أنه وقف في تاريخ الأحداث عند العهد النبوي؛ فإنه قد تجاوز في حديثه الجغرافي عن معالم المدينة إلى عصره، فوصف تلك المعالم رأي عين، وذرع معظمها بذراعه وشبره وقدمه؛ ليكون ما يكتبه عنها شاهدا موثقا، وساق معلوماته القديمة والجديدة عنها - وهي غير قليلة -، فاجتمعت في كتابته الصورة التراثية، وصورة عصره، وغلف ذلك كله بعاطفة إيمانية قوية، يحسها القارئ في باب وفصل.
1 / 5