La Perle Rare en Conseils aux Sultans, Juges et Emirs

Ibn Ismaïl Jadhbati d. 843 AH
120

La Perle Rare en Conseils aux Sultans, Juges et Emirs

الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء

Maison d'édition

مكتبة نزار مصطفى الباز

Lieu d'édition

الرياض

فَالْحَاصِل إِذا ظلم الْملك فِي الرّعية خربَتْ الْولَايَة، ويتفرق الرعايا إِلَى الْأَطْرَاف، وَيكون الْملك فِي تزلزل واضطراب، لِأَنَّهَا وَقعت النفرة والتنفير فِي قُلُوب الرّعية بِسَبَب طمع الْملك وظلمه على الرّعية، وَحِينَئِذٍ تقع الْفِتَن الْمُخْتَلفَة فِي الْولَايَة، وَلَا يدْفع ذَلِك الْفِتَن الخزائن الْعُظْمَى، أما إِذا كَانَت المملكة على قراره، وَالْملك يقْعد مَحَله بِالْعَدْلِ والإنصاف، وَيجْرِي أَحْكَام الشَّرِيعَة والسياسة على الرّعية، يكون جَمِيع مَا فِي الدُّنْيَا خَزَائِن ذَلِك الْملك، وَجَمِيع النَّاس وَالْمَلَائِكَة أجناده وأعوانه. وَلَا يَنْبَغِي للوزير أَن يضع الْبدع على الرّعية ليتقرب بهَا عِنْد الْملك، فَإِن ذَلِك سَبَب عَدَاوَة الْملك، لِأَن بِوَضْع الْبدع ينتشر اسْم الْملك فِي الدُّنْيَا بالظلم، وَيحصل للْملك بِسَبَب الْبدع فِي الْآخِرَة عِقَاب أَلِيم، وَتَدْعُو الرّعية على الْملك بالسوء، فَيحصل حِينَئِذٍ الِاضْطِرَاب فِي المملكة، وتزول دولة الْملك، وتنتزع المملكة من يَده، لِأَن الْحُكَمَاء قَالُوا: يَنْبَغِي للْملك من الأجناد، وأجناد الْملك نَوْعَانِ: جند اللَّيْل، وجند النَّهَار. أما جند اللَّيْل: فهم الْفُقَرَاء، وَالْمَسَاكِين، وَالْعُلَمَاء والزهاد، والعباد، وَلِهَذَا قَالُوا: دَعْوَة عَجُوز وَاحِدَة وَقت السحر للْملك يزِيد عِنْد الله أَثَره من شجاعة مائَة فَارس. وَأما أجناد النَّهَار: فهم الَّذين يَجْتَمعُونَ عِنْد الْملك وَقت الْقِتَال. وَقَالَ حكماء الْهِنْد: " لَا ملك إِلَّا بِالرِّجَالِ، وَلَا رجال إِلَّا بِالْمَالِ، وَلَا مَال إِلَّا بالرعية، وَلَا رعية إِلَّا بِالْعَدْلِ والسياسة " فَيكون الْعدْل أصل جَمِيع ذَلِك. وَيَنْبَغِي للسلاطين والوزراء أَلا يهملوا السياسة، ويكونوا مَعَ السياسة عادلين، لِأَن السُّلْطَان خَليفَة الله فِي أرضه، يجب أَن تكون هيبته بِحَيْثُ إِذا رَأَتْهُ الرّعية أَو إِذا كَانُوا بَعيدا عَنهُ خَافُوا مِنْهُ، وسلطان هَذَا الزَّمَان يجب أَن يكون أوفى سياسة، وَأتم هَيْبَة، لِأَن أنَاس هَذَا الزَّمَان لَيْسُوا كالمتقدمين، فَإِن زَمَاننَا

1 / 223