384

Durr Manzum

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

وبعد: فصدور هذا في شهر ربيع الأول من هذا العام عام تسعين وثمانمائة، والأحوال بحمد الله مقرونة بالصلاح، والأعمال بتوفيق الله مؤذنة بنجاح، بنيل الأرباح، والآمال، -إن شاء الله- مشفوعة بالنجاح، والآلاء من عند الله صيبة الأمزان بالمساء والصباح، والأنباء المستطابة من لدينا يغدى بها ويراح، ويهتز النائي لسماعها ويرتاح، معرفة للمقام أمده الله بتأييد التوفيق المستدام، وبلغ في مساعيه ما يأمله الصالحون على الوفاء والتمام، بأن كتبه الكريمة انتهت إلينا، وأن طروسه العظيمة وردت علينا، فأرجت الأندية بحسن نشرها، وعطرت المجالس بطيب عطرها، وراعت الأسماع بجواهر ألفاظها ودررها، وفاقت في المناظر بوسيم روضها وزهرها، قاضية بأن حبل الوداد متين، نافية لزعم من يدعي أنه مقطوع الوتين، عاقدة بحصول الوفاء الذي يجمل بمقامك ويزين، واعدة بتجنب ما يستهجن من المعاملة في حقنا ويشين، خلا أن كتبكم كلما أطمعت في الوصال، والاستمرار للمودة والاتصال، آيست من ذلك وقضت بالانفصال، أفعال من يتعلق بكم من السفهاء وينسب الأفعال، ونحن في مسطورنا هذا نوضح الكلام، ونحسر عما في النفس اللثام، ونودع الكتاب نبذة لطيفة من العتاب، فإنه صقال للأفئدة، وإبرام لأمراس المودة المؤكدة، قد عرفتم حفظكم الله ما كان من قيامنا لله، ودعوتنا إلى الله، فكانت بحمد الله دعوة محمودة مجابة غير مردودة، وتوجه بذلك الحق لنا على المسلمين كافة، وصارت لوازم أمره بالمكلفين حافة، يستوي في ذلك السوقة والملوك، والغني والصعلوك، كما يقضي بذلك الشرع الشريف، وأدلة الدين الحنيف، وكان من أهل الرئاسة في نواحينا، ومن يتاخمنا منهم ويلينا، أن حسدونا ارتقاء هذه الدرجة الرفيعة، وعظم عليهم إمتطاء كاهل تلك الرتبة المنيعة، فنصبوا لنا العداوة، وعاملونا بالنبوة (1) والقساوة، ولما انتهت إليكم دعوتنا وبلغتكم كتبنا واهابتنا، تلقيتم ذلك بالأخلاق الكريمة، وعادت إلينا أجوبتكم الوسيمة، ولم تنقطع عنا صلتكم ومواصلتكم الحميدة غير الذميمة، فحمدنا الله على ذلك، وشكرنا لكم سلوك تلك المسالك، ورجونا أن ينتعش بمناصرتكم جواد الحق، وأن تمطر غمامة الإمامة على كثير من الخلق، وأن ينال بكم الأمل في الانتقام من البغاة، ويبلغ بإعانتكم ما يراد من إرغام أنوف الغواة، وكلما انبسطت أيديكم في الجهات الدانية القريبة، وانتهى إلينا بلوغ كل جند من أجنادكم إليها وكتيبة، ازدادت الآمال تقويا، واستأنست القلوب ترجيا، لنيل المطلوب وتمنيا، ثقة منكم بشدة المقة (1) ، وبما تقدم من المواعيد الصادقة، فلم تكن بأسرع من أن ظهر الانعكاس، وتأكد ذلك حتى أشرفنا على الأياس، وكان أول ما بدأ به من ينتمي إليكم، ويعتمد في صولاته عليكم، استئصال قطر من الجهات الإمامية والتغلب عليه، ثم قصد قطرا آخر وتوجيه الكتائب إليه، وكان من فلان ما كان، وسارت به الركبان، من توجيه الغزوات إليها والحروب، وأخذ مصالح لنا فيها وحبوب، فقطعنا وقطع الناس، بأنه لا بد أن يجبر الانتقاص، وينتكس المتعدي على الرأس، كما يعتاد بين أهل الوداد، ونفعله نحن لو وقع ممن في جانبنا في جهاتكم فساد (2) ، فقد حاول بعض من يتعلق بنا غزو كثير من الجهات التهامية فمنعناه، وحاول البعض غير ذلك فقصرناه، ولو حدثت هفوة أو وقع تغيير لخبرناه، والله شاهد على أن ذلك مما أضمرناه، ثم أنا زدنا الأمر تأكيدا بأن كتبنا إليكم كتابا بعد كتاب، ووجهنا إليكم بريدا ثم بريدا، فألغيتم تلك المعاني، وعدتم إلى حديث ثاني، وقلتم بسلامتكم نعمل على ما كان في زمن الإمام الأول، ولا يكن لنا على ما استفتحناه من غير ذلك معول، ولأي سبب أو موجب اعتبار حال الأموات، دون حالي للحي ظاهرة الثبات، وبسط أيديكم على جهات استفتحناها، وهي حينئذ لا تعلق لكم بها ولا أمل فيها، وصارت بأيدينا منذ عام دعوتنا إلى وقتنا هذا، ثم إن هذا الذي ذكرتم بسلامتكم لم يتم ولا ينتظم بل تقدم بلوغ كتابكم، وتعقبه قصد الجهات الإمامية، التي كانت في الزمن القديم متوكلية، فما أفاد ما رقمتموه ولا نجز ما وعدتموه، وأما خطوطكم القديمة التي بأيدينا، وكتبكم الوسيمة المحفوظة لدينا، ففيها التصريح الصريح بأن جهاتنا كلها عن التغيير مصونة محمية، وأن معاملتكم لنا في بلادنا بأجمعها مرضية، فكان في هذه الأمور الحادثة عبرة للمعتبر، وخبرة لمن لم يكن بمختبر، وجمع ذلك بين وجوه من الشناعة نحن نشرحها لكم، وهي لا تخلو عن أذهانكم.

Page 410