434

Le Durr Manthur

الدر المنثور في طبقات ربات الخدور

Maison d'édition

المطبعة الكبرى الأميرية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٣١٢ هـ

Lieu d'édition

مصر

أخبار، وللأعمار أقطع بتار فإنهار عند أرجل الخيل كالنخلة السحوق متشحطًا بدمه، كادمًا الصخر بفمه، فنفرت الخيل وأي نفار، وشردت المركبة متسلقة بين الصخور في القفار، حتى تكسرت العواجل وسقط على الصحصحان، وكانت قد علقت رجله بالعنان، فجعلت تجره الخيل مذعورة تتلاطم مدهوشة حتى تمزقت لحمانه بفعل الأشواك والصخور، وتفجرت ينابيع دمه منسابة في تلك الشعاب والوعور، ولم يدركه أصحابه إلا والجريص في ثغره والحشرجة في صدره، فأوصاهم أن يبلغوا أباه ما كان وأنه بريء من افتراء دليلة المكر والبهتان، وأن يتوسلوا إليه عنه بأن يتخذ حبيبته "أديسيا" بدلًا منه عزاء لمصابه، وشهدًا يحلى جام صابه، وبعد موته بدقائق أقبلت "أديسيا" بخطو دونه إهماج السوابق، وانقضاض الصواعق، فلما رأت محبوبها في تلك الحالة صعقت بصوت دوى له الجو وانطرحت إلى جانبه لا تفرق ولا تعي، ولما ثاب إليها حلمها عاد الجميع أدراجًا، واتخذوا توًا إلى المليك منهاجًا، فقصوا عليه ذلك النبأ الفاجع، وكان قبل ذلك أن "أونون" -أم البدائع- ألقت بنفسها إلى البحر كمدًا لما جرى عن يدها من الفظائع، ولما كاد صبح الحقيقة أن يلوح شربت "فيدر" سمًا ناقعًا، وقابلت "ثيزى" كاسرة طرفًا دامعًا، وأنبأته ثمت بوصمتها بما صيرته على هامة من الويل بداعية تلبيتها نداء شهوتها، وكان السم قد استحكم في دورة دمائها، فتحرقت مفردات أحشائها وسقطت أمامه جثة بلا روح، فقامت عليه القيامة، وعاد على نفسه بالتوبيخ والملامة وقطع مع "أديسيا" التي اصطفاها ابنة وخليلة عيشًا ينغصه ذكرى "من يزرع العجلة يحصد الندامة".
فيروز خونده
بنت السلطان علاء الدين ملك دهلي في بلاد الهند كانت فريدة الزمان حسنًا وبهاء، وعقلًا وذكاء، ذات أدب وفصاحة، وكياسة وملاحة، محبة للمكرمات تفعل الخير مع كل من تراه مستحقًا.
شاركت أخاها السلطان شهاب الدين في صعاب الأمور، وسلم لها زمام الأحكام حتى إنها بأصالة رأيها ضبطت المملكة أحسن مما كانت عليه في مدة أبيها، وكان أخوها لا يقطع أمرًا إلا برأيها، ومن شدة محبته لها لم يرض أن يزوجها خارجًا عن مملكته وزوجها لشخص غريب اسمه الأمير "غدا" ابن الأمير هبة الله بن مهني أمير عرب الشام بقصد أن يقيم عنده كما قاله ابن بطوطة في "رحلته": قال: إنه لما جاء الأمير غدا" ابن الأمير هبة الله سائحًا في بلاد الهند مر على "دهي" فأكرمه السلطان شهاب الدين إكرامًا زائدًا وأحب أن يأخذه ضيفه من محبته للعرب، فزوجه أخته المذكورة وعمل له فرحًا عظيمًا وكيفيته أن عين للقيام بشأن الوليمة ونفقاتها الملك فتح الله المعروف "بشونويس" وعين ابن بطوطة لملازمة الأمير "غدا" والكون معه في تلك الأيام، فأتي الملك فتح الله بالصيونات فظللل بها فسحات القصر الأحمر وضرب في كل واحد منهما قبة ضخمة جدًا، وفرش ذلك بالفرش الحسان وأتى شمس الدين التبريزي أمير المطربين ومعه الرجال المغنون والنساء المغنيات والرواقص وكلهن مماليك السلطان وأحضر الطباخين والخبازين والشوايين والحلوانيين والثريدارية والتبول وذبحت الأنعام والطيور، وأقاموا يطعمون الناس خمسة عشر يومًا ويحضر الأمراء الكبار والأعزاء ليلًا ونهارًا.
فلما كان قبل ليلة الزفاف بليليتين جاء الخواتين من دار السلطان ليلًا إلى هذا القصر فزينه وفرشنه بأحسن الفرش واستحضر الأمير سيف الدين لكونه عربيًا غربيًا لا أقران له، وحففن به وأجلسنه على مرتبة معينة له، وكان السلطان قد

1 / 449