. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حَالَتْ لِبُعْدكُمُ أَيَّامُنَا فَغَدَتْ ... سُوْدًا وَكَانَتْ بِكُمْ بيْضًا لَيَالِيْنَا
بُنْتُمْ وَبِنَّا فَمَا ابْتَلَّتْ جَوَانِحُنَا ... شَوْقًا إِلَيْكُمْ وَلَا جَفَّتْ مَآقِيْنَا
إِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي مَا زَالَ يُضْحِكُنَا ... أنْسًا بِقُرْبِكُمُ قَدْ عَادَ يُبْكِيْنَا
* * *
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ:
أَزُوْرُهُمُ وَسَوَادُ اللَّيْلِ يَشْفَعُ لِي ... وَأَنْثَنِي وَبيَاضُ الصُّبْحِ يُرِي بِي
أَخَذَهُ مِنْ مِصْرَاعٍ لابْنِ المُعْتَزِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَالشَّمْسُ نَمَّامَةٌ وَاللَّيْلُ قَوَّادُ.
وَكَأَنَّ أَبُو الطَّيِّبِ كَثِيْرَ الأَخْذِ مِنْ شِعْرِ ابنِ المُعْتَزِّ مَعْ تَرْكِهِ الإِقْرَارَ بِالأَخْذِ مِنْ أَشْعَارِ المُحْدِثِيْنَ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا جَمَعِ أَبُو الطَّيِّبِ فِي هَذَا البَيْتِ أَرْبَعَ مُطَابَقَاتٍ وَمَا أَرَاهُ سُبِقَ إِلَى مِثْلِهَا وَمَا زَالَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُوْن مِنْ جَمْعِ البُحْتُرِيّ ثَلَاثُ مُطَابَقَاتٍ فِي قَوْلِهِ (١):
وَأُمَّةٍ كَانَ قُبْحُ الجُوْرِ يَسخِطهَا ... دَهْرًا فَأَصْبَحَ حُسْن العَدْلِ يُرْضيْهَا
* * *
وَلِبَعْضِ المُحْدِثِيْنَ بَيْتٌ يَجْمَعُ خَمْسَ مُطَابَقَاتٍ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ إِلَّا بِالبَيْتَيْنِ قَبْلَهُ وَهُوَ (٢):
عَذِيْرِي مِنَ الأَيَّامِ مَدَّتْ صرُوْفهَا ... إِلَى وَجْهِ مَنْ أَهْوَى يَدَ النَّسْخِ وَالمَحْوِ
وَأَيَّدَتْ بِوَجْهِي طَالِعَاتٍ أَرَى بِهَا ... سِهَامَ أَبي يَحْيَى مُسَدَّدَةً نَحْوِي
فَذَاكَ سَوَادُ الخَطِّ يَنْهَى عَنِ الهَوَى ... وَهَذَا بيَاضُ الوَخْطِ يَأْمرُ بِالصَّحْوِ
وَمَا أَلْطَفُ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ فِي الطِّبَاقِ وذِكْرُ السَّوَادِ وَالبيَاضِ (٣):
(١) ديوان البحتري ٤/ ٢٤٢١.
(٢) المنزع البديع ص ٣٨٠، شرح مقامات الحريري ٢/ ٢٤٥.
(٣) ديوانه ٤/ ١٥٥.