Duroos Sheikh Omar Al-Ashqar
دروس الشيخ عمر الأشقر
Genres
عبادة الله وحده وعدم الإشراك به
قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء:٣٦]، وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه البناء في الحياة الدنيا، وهو: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا؛ ولأجل ذلك خلقك الله، فقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:٥٦ - ٥٨]، فهو سبحانه لا يريد منك شرابًا، ولا يريد منك طعامًا، فالله ﷾ بيده ملكوت السماوات والأرض، وإنما خلقك لتتخذه إلهًا، ولكي يخضع وجهك وقلبك له، وتسلم أمرك له، وتعترف له بالألوهية، وتعترف له بالربوبية، وهذا معنى قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله، أي: نشهد يا رب! أنك إلهنا ومعبودنا، فنعبدك وحدك ولا نعبد غيرك، ونكفر بالآلهة والمعبودات والطواغيت التي تنتشر في أرجاء الأرض، ولا نؤمن إلا بإله واحد هو إلهنا وربنا ومعبودنا؛ ولأجل هذا أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وكل رسول يدعو قومه إلى هذه الحقيقة ويبينها ويفصلها، ويصبر على ذلك سنوات طويلة، قد تستمر عشرات السنين، وبعض الرسل بقي مئات السنين وهو يدعو قومه إلى هذه الحقيقة: أن يعبد الناس ربهم وحده لا شريك له، وأن يخلصوا دينهم لله ﷾، وأن تكون صلاتهم ودعاؤهم وحجهم لله، وأن تكون استغاثتهم واستعانتهم بالله ﷾ وحده، وأن يكون التوكل على الله ﷿، وألا تخضع هذه الوجوه إلا لربها، وأن تتوجه القلوب إلى خالقها ومعبودها ﷾، وأن يكون التحاكم إلى شريعة الله، وأن تكون الدينونة لله ﷾، وأن يقوم البشر أنفسهم بكتاب الله وبمنهج الله وبدين الله، وأن يُعبد الله ولا يشرك به.
وهذا هو الأساس الذي لا يقبل الله عملًا إلا به، وإن جئنا إلى الله بأعمال خيرة بنيت على غير أساس التوحيد والإخلاص لله فإنها أعمال مرفوضة.
وقد ضرب الله مثلًا في سورة النور لأقوام يظنون أن لهم مكانة عند الله، ولكنهم أقاموا أعمالهم الخيرة على كفر وشرك، فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [النور:٣٩]، فالعطشان في الصحراء يرى السراب يلوح من بعيد، فيظنه ماء، فإذا ما اقترب منه لم يجده شيئًا، وكذلك هو حال أقوام يظنون أن لهم عند الله مكانة، وأنهم قدموا أعمالًا خيرة، ولكنها على غير أساس التوحيد، وعلى غير أساس الإخلاص، ثم عندما يأتون إلى الله يوم القيامة لا يجدون شيئًا، وتكون أعمالهم ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ﴾ [النور:٣٩].
إذًا: فالأساس الأول هو: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، ولا تشرك بإلهك وربك ومعبودك وخالقك شيئًا، فتتخذه إلهًا تتوجه إليه، وتريد رضوانه وحده، ولا تتخذ معه ندًا، ولا تتخذ معه شريكًا، وإنما عبادتك كلها لله ﷾.
فالله معبودنا؛ لأنه ربنا وخالقنا ﷾، وهو المستحق للعبادة، وهو المستحق للتأليه جل وعلا.
ومن لم يأت بهذا الأصل فليس له عند الله يوم القيامة نصيب، فالذين كفروا لا يدخلون الجنة أبدًا، والمشركون لا يلجون الجنة أبدًا، فهم مخلدون في نار جهنم، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءْ﴾ [النساء:٤٨]، فالشرك لا يغفره الله ﷾، وغير الشرك قد يغفر، فقد يفعل الإنسان معاصي وذنوب، فقد يعذبه الله عليها وقد يغفرها له، ولكن الشرك لا يمكن أن يغفر أبدًا، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:٤٨]، فهذا هو الأساس الأول، وهو التوحيد، والإخلاص، والعبودية لله ﷿، وهو أساس العمل الذي يدخل الجنة، ومن لم يأت بهذا الأساس فليس له مطمع في أن يلج الجنة ويدخلها، وفي أن يصل إلى الدار الطيبة الصالحة.
وقد حرم الله الجنة وطعامها وشرابها ونعيمها على الكافرين.
ينادي أهل النار: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف:٥٠]، ليس هناك نصيب في جنة الله للذين أشركوا وكفروا، وليس لهم مطمع في النعيم الذي أعده الله لعباده الموحدين، ولعباده المخلصين.
18 / 5